مقالات مختارة

سيكون رد، رغم التحفظات الأمريكية

بقلم: عاموس هرئيل

بعد النجاح في إحباط هجوم الصواريخ والمسيّرات الإيراني يبدو أن إسرائيل تخطط للرد. رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، عقد أمس (أول من أمس) عدة لقاءات مستعجلة وكثيفة حول مسألة رد إسرائيل على العملية الإيرانية الاستثنائية في منتهى يوم السبت. 
ورغم أنه تم إرسال أكثر من 350 صاروخاً ومسيرة نحو أراضي إسرائيل، فإن هذا الهجوم انتهى بفشل ذريع – أربع إصابات سطحية لصواريخ وإصابة طفلة في النقب إصابة خطيرة. القيادة الإسرائيلية تؤكد على هذه السابقة الخطيرة وتشعر بأنه يجب عليها التوضيح للنظام في طهران الثمن الذي ينطوي على ذلك.
نتنياهو سيعقد مجلس الحرب للمرة الثانية خلال 24 ساعة لمناقشة الرد المطلوب. 
مكتبه أعلن أيضاً أن رئيس الحكومة قام باستدعاء عدد من رؤساء المعارضة لتقديم إحاطة أمنية استثنائية لهم.
في الخلفية يجب ألا نتجاهل الاعتبارات السياسية المقرونة باتخاذ القرارات. 
نتنياهو يتم تحديه من اليمين، من قبل رؤساء القوائم المتطرفة في الحكومة، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش اللذين يطلبان علنا انتقاماً مدوياً من إيران.
الولايات المتحدة، التي كان لمساعدتها العملياتية لإسرائيل دور أساسي في نجاح إحباط الهجوم، تريد منها الآن الامتناع عن الرد. 
الرئيس الأميركي قال ذلك في محادثة هاتفية مع نتنياهو، والرسائل تكررت منذ ذلك الحين في عدة قنوات مع جهات رفيعة في الإدارة الأميركية. 
أيضاً الدول الأوروبية التي ساعدت في حماية إسرائيل، من بينها بريطانيا وفرنسا، أرسلت رسائل مشابهة. 
الولايات المتحدة أوضحت لإسرائيل أنه في هذه الظروف هي لن تشارك معها في أي عملية هجومية ضد إيران.
مع ذلك، حسب وسائل الإعلام الأميركية، لا يحاول بايدن وبحق منع عملية إسرائيلية. 
جزء من التحفظ الأميركي الذي تم التعبير عنه في المحادثة مع الرئيس ونتنياهو، نبع من تخوف الولايات المتحدة من أن يتم تشخيصها مع الهجوم الإسرائيلي، بعد بضع ساعات على قيام طيارين من الدولتين بإسقاط مسيرات وصواريخ مجنحة إيرانية معاً.
رغم أنه تسرب إلى وسائل الإعلام الخلافات في الآراء في المجلسين الوزاريين، المرتبطة أيضاً بعدم الثقة الكبير بين نتنياهو والشركاء في حكومة الطوارئ، الوزير بني غانتس والوزير غادي ايزنكوت، فإن الإجماع في القيادة العليا يتجاوز المعسكرات السياسية، وحتى أنه يشمل رؤساء جهاز الأمن. 
ورئيس الأركان هرتسي هليفي قال أمس أثناء زيارته في قاعدة نفاتيم إن إسرائيل سترد على إطلاق النار على أراضيها. 
الاعتقاد هو أنه مطلوب الرد، حتى لو كان يبدو أنه سيتم بذل محاولة لاختيار عملية محسوبة، ترسل الرسالة إلى إيران دون أن تدهور منطقة الشرق الأوسط إلى حرب إقليمية.
مع ذلك، يجب التذكر بأن الاستخبارات الإسرائيلية أخطأت عندما قللت من تقدير الخطر قبل اغتيال الجنرال حسن مهداوي في 1 نيسان، وهو الحادث الذي بدأ جولة التوتر الحالية. الخطر الأكبر بهذا الشأن يكمن في حزب الله. إيران بنت حزب الله، التنظيم وترسانة السلاح كردع ورد على إمكانية هجوم إسرائيلي ضد منشآتها النووية. 
الآن يمكن أن تستخدمه أيضاً في الرد على أي هجوم محتمل، مقلص جداً عليها وأن تزيد خطر اندلاع الحرب.
حزب الله غير متحمس حتى الآن للانضمام لجهود إيران. فعلى الفور بعد اغتيال مهداوي أوضح رئيس الحزب، حسن نصر الله، أن الثأر هو شأن إيراني لأن كرامة طهران هي التي تم المس بها. 
إطلاق النار في منتهى السبت شارك فيه حزب الله بشكل رمزي. ورغم ذلك من المؤكد أنه في حالة حدوث أي تدهور آخر فإن إيران ستضغط على حسن نصر الله كي ينضم للحرب.

من وراء الكواليس
قدّر بعض المراقبين الغربيين مؤخراً أنه من وراء كواليس هجوم إيران الواسع كان هناك تدخل غير مباشر لدولة أخرى، روسيا. وحسب قولهم فإن الهجوم عبر عن محاولة النظام في طهران وقف هجمات "المعركة بين حربين" الإسرائيلية ضد رجاله في سورية. 
أراد الإيرانيون وضع حد بهذا لمنحى زيادة عمليات الاغتيال والتفجيرات من قبل إسرائيل، وهو المنحى الذي كان بحد ذاته رداً على المساعدة الإيرانية الواسعة لحزب الله والتنظيمات الفلسطينية.
لكن حسب هذا التحليل فإنه أيضاً كانت لروسيا هنا مصلحة خفية، في إطار الحلف الاستراتيجي الآخذ في التعزز لها مع إيران. 
هجوم إيران الواسع الذي أحبط بنجاح من قبل إسرائيل وحلفائها استهدف في نظر موسكو أيضاً توجيه الاهتمام الدولي إلى منطقة الشرق الأوسط وأن يبقيه هناك فترة طويلة، من أجل تمكين روسيا من مواصلة حربها في أوكرانيا، حيث تحقق هناك نجاحاً معيناً في المعارك في شرق أوكرانيا.  
سيحتاج ارتفاع التوتر في الشرق الأوسط أيضاً إلى توجيه موارد ووسائل قتالية على حساب إنتاج السلاح والمساعدات الأمنية التي يوفرها الغرب إلى أوكرانيا، التي تساعدها في تعزيز مكانتها أمام غزو روسيا منذ سنتين تقريبا. أزمة طويلة في الشرق الأوسط سترفع أسعار النفط وستخدم تصدير النفط الروسي.
النتيجة الأكثر أهمية للأزمة إذا استمرت يمكن أن تكون خسارة بايدن في الانتخابات في تشرين الثاني القادم، وهو أحد الأهداف الاستراتيجية الحاسمة لنظام لبوتين. 
النظام في روسيا يأمل عودة ترامب، الذي لم يخفِ إعجابه بالرئيس فلاديمير بوتين وهناك الكثير أمامه ليفعله. 
لكن في هذه الأثناء فشل إيران يمكن أن يصبح فشلاً لروسيا. وهناك إشارات أولية على أن الحزب الجمهوري الأميركي يرفع المعارضة على شرعنة المساعدات الحيوية التي يمكن أن تضمن بأن ترسل الإدارة الأميركية عشرات مليارات الدولارات كمساعدات أمنية لثلاث دول يتم تهديدها وهي: أوكرانيا وإسرائيل وتايوان.
منذ المذبحة في الغلاف في 7 أكتوبر أدار الحزب الجمهوري بتشجيع من ترامب حرب تمديد استهدفت تأخير المصادقة القانونية. 
الآن ربما أن خطورة التهديد على إسرائيل ستساعد بايدن في إثبات الحاجة الملحة لإرسال السلاح. 
إسرائيل تمكنت منذ فترة طويلة من أن تثبت نفسها في المعسكر الديمقراطي إلى جانب الدول الأخرى التي تمت مهاجمتها، وأن تحصل على فرصة أخرى للحصول على بطاقة العضوية في النادي. 
من أجل ذلك لم يكن سيضرها لو أنها أوفقت التملص وعرضت دعماً علنياً لأوكرانيا التي تتم مهاجمتها في الوقت الذي تعقد فيه روسيا علنا تحالفاً مع إيران.

نافذة ضيّقة جداً
تعتبر الإدارة الأميركية أحداث الفترة الأخيرة فتح نافذة وقت ضيقة كي تحاول مرة أخرى تنفيذ خطط واسعة. 
إحباط هجوم إيران لا يعتبر فقط إنجازاً تاريخياً بالمنظار العملياتي والتكنولوجي، بل هو يعكس التنسيق الوثيق غير المسبوق بين إسرائيل وبعض الدول العربية المعتدلة في المنطقة، كما نشر، تحت المظلة الأميركية. 
يبدو أنه توجد هنا نقطة انطلاق لحلم متفائل أكثر: خلق تحالف حقيقي بين هذه الدول كوزن مضاد لعدوان إيران.
في هيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي يلاحظون أيضاً وجود فرصة. لكن تصعب رؤية كيف ستتحقق عندما ستضطر السعودية إلى إدخال مكون فلسطيني في الواقع الإقليمي الجديد على شكل موطئ قدم لحركة فتح والسلطة الفلسطينية المستقبلية في الحكومة المستقبلية في قطاع غزة إذا تم إخراج حماس من هناك. 
نتنياهو غير مستعد لتوفير ذلك في الوقت الحالي تحت أي ظرف. 
المبرر هو أيديولوجي، لكن عملياً هو سياسي أيضاً وينبع من تخوفه من بن غفير وسموتريتش.
للمرة الأولى منذ نصف سنة تقريباً تمت إزاحة الوضع في القطاع من العناوين العالمية إزاء تبادل اللكمات بين إسرائيل وإيران. 
هذا هو وقت إيران، على الأقل حتى تتضح مسألة كيف ومتى سترد إسرائيل على الهجوم الذي تعرضت له. 
الانشغال برد إسرائيل دفع إلى الزاوية النقاشات الكثيفة في العملية المحتملة للجيش الإسرائيلي في رفح.
تم في الوقت نفسه أيضاً إبعاد النقاش حول الوضع المقلق للمخطوفين الـ 133 المحتجزين لدى حماس. 
وأمس تم نشر رد حماس على اقتراح الوسطاء، الذي طرحت فيه حماس طلبات جديدة متشددة أكثر. 
الجمود في المحادثات سيحتاج في القريب إلى انشغال إسرائيلي جديد في محاولة للبحث عن مسارات بديلة.
في الواقع ربما يكون ذلك فرصة. الصفقة العالقة شملت إطلاق سراح المخطوفين على دفعتين، مع وقف إطلاق نار يستمر حسب الظروف. 
ربما أنه حان الوقت لمناقشة صفقة شاملة على دفعة واحدة، ستكون مقرونة بتقديم تنازلات، مؤقتة على الأقل، عن الأحلام العبثية بالنصر المطلق. 
لكن إذا أصبحت إيران وحزب الله بؤرة الحرب فمن الجدير تجريب الجهد الأخير لإنقاذ المخطوفين قبل اختفائهم إلى الأبد في الأنفاق في قطاع غزة.

عن هآرتس

 

Loading...