بقلم: رضوان السيد
كان الهجوم الإيراني على إسرائيل وهماً من الوهم المستمرّ منذ أربعين عاماً وأكثر من العداوة بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة. وقد تبيّن أنّ المقصود من وراء نشر الوهم استعادة التضامن من حول إسرائيل السائرة في عمليات الإبادة في غزة. فما هي النتائج المباشرة وغير المباشرة للتوتّر الإعلاميّ العالمي المصنوع خلال الأسبوع المنصرم؟
لقد ثبت أنّ الإيرانيين لا يستطيعون أو لا يريدون الإضرار بإسرائيل حقّاً، وأنّ الإسرائيليين ليسوا قادرين على الدفاع عن أنفسهم! هي عداوةٌ معلنةٌ منذ خمسة عقودٍ وأكثر، وكنّا نظنّ أنّه ستأتي لحظة ستنفجر فيها حرب مدمّرةٌ بينهما، ثمّ ها هي خمس ساعات من الهجمات بالمسيّرات والصواريخ تطلقها إيران وميليشياتها فلا تخلّف غير إصابةٍ واحدةٍ، ورعب ثلاثين من المحتلّين والمستوطنين الشجعان انهارت أعصابهم.
أمّا الإسرائيليون الذين زعم لهم بايدن أنّهم أظهروا تفوّقاً في المواجهة، فما أسقطوا غير العشرات ليس بسبب العجز فقط، بل لأنّ الصواريخ والمسيّرات ما بلغت دولة الاحتلال، بل أسقطها الأميركيون قبل وصولها في أجواء العراق وسورية ولبنان، والبريطانيون في أجواء الأردن.
ولكي لا ينزعج الإسرائيليون أكثر من اللازم أخبر الإيرانيون الأتراك بأنّ الهجمات ستكون محدودة، والأميركيين بالموعد والاستهدافات. كما أنّ الصواريخ لا تحمل رؤوساً متفجّرة حتى لا ينجرح بنو إسرائيل.
الإيراني يزعم أنّه لم يهاجم حقّاً، والإسرائيلي يزعم بشهادة أميركا أنّه تفوّق على الهجوم الإيراني الذي لم يقع.
بيد أنّ الأكثر فشلاً هو التوجّه الأميركي والبريطاني والأوروبي العامّ. لا أحد منهم إلّا وأعلن استعداده للدفاع عن إسرائيل وجهّز قواعده وسفنه الحربية لإحباط الحملة الإيرانية الهائلة التي لم تحصل. بينما ما قال أحدٌ منهم شيئاً عندما ضربت إسرائيل القنصليّة بدمشق.
رغم الوقت الضيّق، يمكن استظهار بعض الدروس والاستنتاجات التي ما عاد فيها شكّ:
أوّلاً: سلاح إيران الرئيسي نوعان: المسيَّرات والصواريخ، والكفاءة ليست عالية. وهذا ما قرأته قبل ثلاثة أيام في “نيويورك تايمز” على لسان جنرال أميركي متقاعد قال: قد يكون من المستحسن اختبار قدرات إيران العسكرية التي تُهوِّلُ بها كلّ الوقت مع أنّه لا حقيقة لها. الآن يقول الإيرانيون: ما استخدمنا كلّ قوّتنا! من الذي منعكم؟ لقد منعهم بالفعل الخوف من ردٍّ إسرائيلي أو إسرائيلي – أميركي ينال من مراكزهم النووية. وما ينطبق على إيران ينطبق على الحزب الذي يقول إنّه لم يستخدم كلّ قوّته ونوعيّات سلاحه ولا حتى نصفها. لكنّ الواضح أنّ الإسرائيليين يعرفونها تماماً ويهدّدون كلّ الوقت بتدميرها. والأميركيون يذكرون كلّ الوقت أنّهم لا يريدون التصعيد، لكنّهم في الحقيقة لا يخشون الحزب ولا إيران لجهة التسلُّح.
ثانياً: ما يقال عن التسلّح الإيراني يمكن قوله عن القدرات العسكرية الإسرائيلية. فطوال الحرب على غزة كانت إسرائيل وما تزال تتلقّى مساعدات عسكرية هائلة من الولايات المتحدة، وعشر دول أخرى أوروبية، إضافةً إلى كندا وأستراليا. والآن الذين أحبطوا الهجوم الإيراني المتواضع هم الأميركيون وحلفاؤهم. ولذلك لا تستطيع إسرائيل تحقيق فوز ساحق حتى على حماس أو الحزب إلّا بمساعدة أميركا. ولذلك أيضاً يستطيع الأميركيون بالفعل إيقاف الحرب على غزة ساعة يشاؤون. ولن تقنعنا الحجج بالأصوات اليهودية في الانتخابات، وإنّما هو الانحياز الدائم لإسرائيل آخر دول الاحتلال في العالم. لقد شعر بوريل المفوض الأوروبي الذي كان يصرخ يومياً لإنهاء الحرب على غزة، شعر بالراحة عندما أعلن حرصه على إحقاق الأمن لإسرائيل مهما كلّف الأمر، ونسي أطفال غزة ونساءها.
ثالثاً: تردّدت طوال الشهور الماضية الأقاويل عن خذلان إيران لحماس ولأهل فلسطين، وأنّهم في الحقيقة لا يحاربون إلّا إذا هوجموا في عقر دارهم، وإلّا فهم يكتفون باستخدام ميليشياتهم من الحزب إلى حوثيّي اليمن. ولا أعرف ماذا يقول الحماسيّون حقّاً، لكنّني لا أرى في الأمر خذلاناً لأنّهم لم يشاركوا هم ولا ميليشياتهم في الحرب الساخنة. لكنّني ما أزال مصرّاً على أنّ الإيرانيين ونصر الله هم الذين دفشوا الجهاد الإسلامي وحماساً باتّجاه الحرب، وقد سعوا إلى ذلك منذ مطالع عام 2023 حتى عندما كان هناك تقارب بين إيران وأميركا: لماذا سعوا إلى ذلك؟ هل ليضغطوا على أميركا أكثر ويحصلوا على تنازلات في مسألة النووي والانتشار في المنطقة، أم لأنّهم كانوا يعتقدون بإمكانية تأديب إسرائيل فلا تعود لمهاجمتهم بداخل إيران وسورية؟ إذا صحَّ ظنّي أنّهم هم الذين دفعوا للحرب، فيكون عليهم أن يساعدوا أكثر، وإن تبيّن الآن أنّهم لا يمتلكون تلك القدرات الهائلة التي تغيّر الموازين.
رابعاً: عادت إيران بسياساتها العجيبة فجمعت العالم الغربي من حول إسرائيل. هل أنقذت حكومة نتنياهو؟ وهل سهّلت عليه استمرار الحرب على غزة؟ منذ سنوات تهاجم إسرائيل إيران في سورية، وإيران لا تردّ. وقد ضاقت ذرعاً فقط عندما هاجمتها في القنصلية، بينما جرت عشرات العمليات الغامضة بداخل إيران وسورية. وهناك الآن احتمالان: أن تحسم أميركا الأمر فتوقف الحرب الإسرائيلية بعدما تبيّن أنّها تستطيع ذلك، أو أن تدعم أطروحة نتنياهو في الانتصار المطلق، أي إبادة شعب غزة، وإحداث تصدّع كبير في مجتمع الضفة الغربية. هناك من يرى أنّ الأوروبيين يستطيعون الضغط باتّجاه الهدنة على إسرائيل وعلى أميركا. والأيام القليلة المقبلة ستوضح أيّ الاتّجاهين يتقدّم.
خامساً: العلاقات بين أميركا وإيران ليست إلى تراجع، ولا تخشى إيران غير أميركا. ولذلك تتلفّت دائماً إلى الخلف والجوانب. وإيران تأمل ببايدن وليس بترامب. ولهذا السبب ليس من المنتظر توسّع الحرب هذه الأيام، بل قد يسارع الطرفان إلى خطوات تقاربيّة، سواء في العراق ولبنان أو في مفاوضات النووي قبل نهاية عهد بايدن في الخريف.
سادساً: منذ بداية أحداث غزة أظهر الأميركيون والأوروبيون حرصاً على إدخال العرب في إنجاد غزّة، وفي عملية سلام الدولتين. وقد أظهر العرب انضباطاً شديداً باعتبارهم أُمّ الصبيّ، ولم يتاجروا مثل إيران، فهل يستطيعون بالفعل الإسهام في إخماد الحرب، وفي إدارة القطاع المنكوب، وفي السير في عملية السلام؟ الجميع في العالم ينتظرون “الذي يأتي ولا يأتي” بحسب عنوان ديوان عبد الوهاب البيّاتي.
سابعاً: ما عاد النظام الدولي صالحاً ولا متوازناً. وإيمانويل تود المفكّر الفرنسي في كتابه الأخير: “هزيمة الغرب” يأمل أن تؤثّر الصين وروسيا والهند والسعودية في استحداث نظام جديد أو معدَّل.
لقد أوهمونا طوال الأيام الماضية أنّ السلام العالمي في خطر لأنّ الهجوم الإيراني على إسرائيل سيقع، وكانوا يعلمون أنّ ذلك كلّه غير صحيح. فلنخرج جميعاً من الأوهام المستمرّة منذ عقود والتي لا نتائج لها غير المذابح والتهجير ضدّ العرب.
عن موقع أساس