صاروخ "المسخرة"!!

كان هو الصاروخ الأكثر قسوة وضراوة في الاشتباك الذي بدء بين إسرائيل وإيران في الأول من هذا الشهر بعد قصف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق.

وهذا الصاروخ لم يكن متوقعاً لا من قبل طهران ولا من قبل تل ابيب، وعندما أطُلق التزمت طهران الصمت فيما تل ابيب جن جنونها، الصاروخ الذي أقصده هو صاروخ ايتمار بن غفير الذي جاء على شكل كلمة واحدة وصف فيها الرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني على منصة إكس "بالمسخرة" وبالعبري (לעג)، أمّا لماذا هز هذا الوصف دولة الاحتلال؟

فالجواب:  لأنه قزّم الرد الإسرائيلي وسخر منه، كما أنه أعلن بصورة أو بأخرى مسؤولية إسرائيل عن تلك المسيرات التي قصفت مدينة اصفهان وهو ما أفسد بعضاً من ترتيبات "هندسة" تلك الضربة بينها وبين واشنطن وأطراف دولية أخرى حيث كان الاتفاق أن لا تعلن تل ابيب المسؤولية مقابل أن لا تتهم طهران تل ابيب وذلك كنوع من التسوية لهذه "الورطة" التي أقدم عليها نتنياهو باتخاذه قرار قصف القنصلية الإيرانية في دمشق والذي كان يهدف من وراء هذا القصف "التعتيم" على ما يجرى في غزة، وجر واشنطن للدخول في مواجهة مع طهران وإفساد أي امكانية للتوصل إلى اتفاق بين طهران وواشنطن بشان الملف النووي الإيراني، وهو الملف الذي اعتاش عليه نتنياهو على مدى أكثر من عقدين من الزمن سياسياً ودعائياً داخل دولة الاحتلال وفي الخارج ومازال العالم يذكر صورته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر من عام 2012 وهو يرفع لوحة ورقية رسم عليها قنبلة تجسد القنبلة النووية الإيرانية المفترضة مرفقة بتواريخ تتحدث عن قرب إيران من انتاجها وأذكر أن الصحافة الأميركية وقتها سخرت من هذا العرض وأطلقت عليه "بيبي بومب" أي قنبلة بنيامين نتنياهو"، وأطلقت مجلة نيويوركر الشهيرة على  الأمر وصف "قنبلة نتنياهو الكرتونية "،  ورغم  ذلك كان  لذلك العرض أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وقعه في خداع العالم وإظهار أن إسرائيل أمام خطر محدق، إلا أن هذه القنبلة الكرتونية كان لها الأثر الأكبر داخل إسرائيل نفسها  أيضاً وعملت هذه الدعاية على دعم الليكود والمعسكر اليميني منذ 2009 حتى  2021  ومازالت.

من أكثر الأمور الملفتة في ارتدادات "صاروخ بن غفير" أن زعيم المعارضة يائير لبيد كان أول من رد على بن  غفير وقال إن  تغريدته "مست بالأمن القومي الإسرائيلي" وأضعفت "الدولة"، فيما التزم نتنياهو نفسه الصمت ولم يعلق كما التزم وزير الدفاع الإسرائيلي "المتوحش" يوآف غالانت هو الآخر الصمت لأن الاثنين ومعهم الكثير من السياسيين في إسرائيل يعلمون أن بن غفير وسموتريتش هما اللذان يحكمان  ويتحكمان  في هذه الدولة وأن هذان الاثنان هما من يرسما "الخارطة الاستراتيجية" للدولة  من أجل تحقيق هدفين اثنين الأول السيطرة الكاملة على ما يسمى بأرض إسرائيل التاريخية والتي تشمل  "يهودا والسامرة" أي الضفة الغربية كاملة  بالإضافة إلى غزة، أمّا الهدف الثاني فهو هدف مزدوج يتمثل بإقامة المشروع التلمودي داخل فلسطين وبناء الهيكل الثالث  بعد هدم المسجد الأقصى وهو مشروع  قيد التنفيذ  الآن (بانتظار  ذبح البقرات الحمر الأربعة  المستوردة من تكساس رغم عدم الاعلان عنه لاعتبارات تتعلق بضمان تنفيذه)، واستكمال المشروع ببناء قوة عسكرية ودينية تعتبر أن "إسرائيل الحالية" هي  مجرد نواة لإسرائيل الكبرى التي من المفترض أن تشمل مساحة واسعة من  الجزيرة العربية وبلاد الشام وسيناء.

إن "الصراع الإيراني – الإسرائيلي" وإن قُيّم من البعض منا أنه شكلي أو مفتعل وأن لا تناقضاً استراتيجياً بين الطرفين فهو مهم جداً ليس من ناحية نظرية بل عملية وذلك لجهة زيادة حدة التناقض داخل إسرائيل وإضعاف بنية هذا المجتمع الذي بات بعد "طوفان الأقصى" يفقد الشعور بالأمان والثقة بالدولة وهي الحالة التي تدفعه للذهاب نحو "الوحشية البدائية" التي يعيشها الآن والتي أفقدت حتى واشنطن القدرة في الدفاع عن هذا الكيان سواءً تجاه ما يجرى في الضفة أو غزة أو حتى تجاه من هم داخل (الخط الأخضر).

وأستطيع القول إن حالة سموتريتش وبن غفير ينطبق عليها مقولة (رب ضارة نافعة)؟!!

 

Loading...