بقلم: جدعون ليفي
من يروا الاستمرارية غير المجدية للحرب، من يروا أبعاد القتل والتدمير في غزة، من يريدوا إنهاء المعاناة غير الإنسانية لأكثر من مليونَي شخص، يجبْ عليهم الأمل، على الأقل في أعماقهم، بأن تصدر محكمة العدل الدولية في لاهاي، الخميس القادم، أمراً مؤقتاً، إعلانياً، لوقف الحرب. من غير السهل على الإسرائيلي أن يأمل إصدار أمر ضد دولته، الذي يمكن أيضاً أن يؤدي إلى اتخاذ خطوات عقابية ضدها. لكن ألا توجد أي طريقة أخرى لوقف الحرب؟
من غير السهل معرفة أن دولتك قُدمت دعوى ضدها من قبل دولة تعرف أمراً أو أمرين عن أنظمة الظلم والشر، التي زعيمها المؤسس كان شخصية تمثل نموذجاً أخلاقياً لكل العالم. من غير السهل أن تدّعي عليك جنوب إفريقيا. غير سهل أن تكون متهماً بـ"إبادة شعب"، التي تم ارتكابها كما يبدو على يد دولة أقيمت على أنقاض أكبر "إبادة شعب" في التاريخ.
لا يمكن مواصلة تجاهل أنه فوق رأس إسرائيل تحلّق الآن اشتباهات بارتكاب جرائم خطيرة جداً ضد الإنسانية والقانون الدولي. الآن لم يعودوا يتحدثون عن الاحتلال، بل عن الفصل العنصري والتهجير والتطهير العرقي وإبادة شعب، ماذا يوجد أخطر من ذلك؟ يبدو أنه لا توجد الآن أي دولة متهمة بكل هذه الاتهامات.
هذه الاتهامات لا يمكن دحضها بأي شيء، ولا حتى باللاسامية. وحتى لو أن بعضها كان مبالغاً فيه أو دون أي أساس من الصحة، فإن اللامبالاة التي تستقبل بها هذه الاتهامات هنا مع إلقاء اللوم الأبدي على من يقوم بالاتهام هو الطريقة الجيدة للإنكار والقمع، لكنه ليس الطريقة المناسبة لتطهير اسم إسرائيل، وبالتأكيد ليس تعافيها وإصلاحها.
حوالى 22 ألف قتيل في غضون ثلاثة أشهر، من بينهم آلاف الأطفال، والتدمير الكامل لأحياء، كل ذلك لا يمكن ألا يثير الاشتباه بإبادة شعب. التصريحات، التي لا يمكن تصديقها، لجهات رئيسة عن الحاجة إلى تطهير القطاع من سكانه أو حتى تصفيتهم، تثير الاشتباه الكبير بنيّة تنفيذ تطهير عرقي. إسرائيل يمكن أن تمثل أمام المحكمة على الأمرين.
إسرائيل لم تقم بشن هذه الحرب من أجل إبادة شعب، لا شك في ذلك، لكنها تنفذ ذلك فعلياً حتى لو من دون قصد. كل يوم يمر في هذه الحرب، مع مئات القتلى يومياً، يعزز هذا الاشتباه. في لاهاي سيضطرون إلى إثبات النية المسبقة، التي ربما لن يتم إثباتها. فهل هذا سيعفي إسرائيل؟ الاشتباه بمخططات للتطهير العرقي، التي لن تتم مناقشتها حتى الآن في لاهاي، راسخ أكثر. هنا النية هي علنية وصريحة. خط دفاع إسرائيل الذي بحسبه الوزراء غير الرئيسيين لا يمثلون الحكومة، هو خط مضحك. مشكوك فيه أن يتعامل معه أي أحد بجدية. إذا كان رجل الترانسفير بتسلئيل سموتريتش لا يمثل الحكومة، فما الذي يفعله هناك؟ وإذا كان بنيامين نتنياهو لم يقم بإقالة إيتمار بن غفير، فكيف سيكون بريئاً من التهمة؟
لكن فوق الجميع يحلّق المناخ العام في إسرائيل، الذي يجب أن يقلقنا أكثر مما يحدث في لاهاي. روح العصر تشير إلى شرعية واسعة لارتكاب جرائم الحرب. والتطهير العرقي في غزة وبعد ذلك في الضفة أصبح موضوعاً لنقاشات مع وضد.
مشكلة غزة ولدت في 1948 على يد إسرائيل. فهي التي طردت إلى هناك مئات آلاف الأشخاص، الأمر الذي كان بالتأكيد عملية تطهير عرقي مطلق لجنوب البلاد، اسألوا يغئال ألون. إسرائيل لم تتحمل في أي يوم المسؤولية عن ذلك. الآن هناك وزراء يدعون أيضاً لإنهاء العمل في القطاع. الأسلوب المريض للانشغال بمسألة "اليوم التالي"، التي أساسها أن إسرائيل هي التي ستقرر ماذا سيكون في غزة، ومن سيكون في غزة، فقط يظهر أن روح العام 1948 حية. هذا ما فعلته إسرائيل في حينه وهذا ما تريد فعله مرة أخرى.
يجب على محكمة العدل في لاهاي أن تقرر إذا كان هذا كافياً لإدانة إسرائيل بإبادة شعب أو بجرائم حرب أخرى. من ناحية الضمير الإجابة قُدمت.
عن هآرتس