سلطة فلسطينية "متجددة"، تدعو لها الولايات المتحدة، لتكون مؤهلة لتولي الحكم في قطاع غزة، في اليوم التالي لإنتهاء الحرب فيه. وهناك فرق بين "المتجدد" والجديد، تماما كالفرق بين آلة قديمة يصيبها العطب، فيتم تجديدها ولكنها لن تعمر طويلا، ولن تكون بنفس كفاءة وعمرآلة جديدة من نفس النوع. وبدلا من إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في فلسطين، تفرز سلطة جديدة ممثلة للشعب الفلسطيني، وتعبرعن طموحاته وترتقي بأوضاعه المعيشية، تطرح الدبلوماسية الأمريكية مصطلح "سلطة متجددة" التأويلي، لخدمة غرض سياسي واحد وهو حكم غزة بعد الحرب، الا أنه من الناحية العملية، يعني ترحيل أزمات السلطة الفلسطينية الحالية، والإبقاء عليها ضعيفة وفاقدة للشعبية في الشارع الفلسطيني، من ضمن إخفاقات عديدة أخرى..
ورغم تأييدها اللامحدود لإسرائيل، ودعمها لحربها على قطاع غزة سياسيا وعسكريا وماليا، فإن الولايات المتحدة تعارض إحتلال إسرائيل لقطاع غزة مجددا، وتأسيس إدارة سياسة تتبع لها بعد إنتهاء الحرب عليه، وترى أن السلطة الفلسطينية "المتجدده"، هي من يجب أن تحكم قطاع غزة، كما جاء في مقال للرئيس الأمريكي جو بايدن في صحيفة واشنطن بوست. الا أن الدبلوماسية الأمريكية، لم تقدم توضيحا لما تعنيه بـ "سلطة متجدده"، وإكتفت وزارة الخارجية الأمريكية بالقول في بيان في 13 ديسمبر 2023، أن " السلطة الفلسطينية ليست في وضع يسمح لها بإدارة غزة، لكننا نعتقد أنها ممثل للشعب الفلسطيني، وأنه يجب إصلاحها، وتنشيطها للمضي نحو إعادة توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة وحكمهما".
ورغم ضبابية مصطلح "السلطة المتجددة" إعلاميا، الا أن ما رشح من معلومات، حول النقاشات التي جرت بين المسؤولين الأمريكيين والرئيس محمود عباس، خلال زياراتهم المتكررة لـ "المقاطعة" في رام الله، ومنهم وزير الخارجية بلينكين، أفادت بأن الأمريكيين يعنون بالسلطة "المتجدده"، إجراء إصلاحات لمكافحة الفساد المستشري في مؤسساتها الحكومية وغير الحكومية، وتمكين المجتمع المدني ودعم صحافة حرة ، كما تشمل أيضا تنازل الرئيس عباس، عن بعض صلاحياته في السلطة، وإناطتها بنائب له، بالإضافة لتسليم المزيد من الصلاحيات لرئيس الوزراء.
ولطالما عمل نتنياهو منذ عام 2014، على إغلاق باب المسار السياسي مع السلطة الفلسطينية، الذي يفضي لإقامة دولة فلسطينية وفقا لمبدأ "حل الدولتين"، ولم يترك مناسبة الا وهاجم بها السلطة، كان أحدثها رفضه لحكمها لقطاع غزة، بإعلانه أنه لن يكرر"خطأ" إتفاق أوسلو، الذي داسته بساطير جنود الإحتلال في الضفة الغربية في مناطق "ألفها وبائها وجيمها" قبل أن تدوس جنازير الدبابات الإسرائيلية أراضي قطاع غزة بفترة طويله.
ومع غرق الجيش الإسرائيلي بوحل غزة، وبعده عن تحقيق هدفه بهزيمة حماس، وإستبدال حكمها بحكم وفق المقاسات الإسرائيلية، بعد دخول حربه عليها شهره الرابع، فإن بنيامين نتنياهو، كان قد أعلن خلال مشاركته في جلسة للجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست، أنه "لا جدوى من الحديث عن السلطة الفلسطينية، كجزء من إدارة غزة، ما دامت السلطة لم تشهد تغييرا جوهريا.. وإذا كانوا جادين في التغيير، فليثبتوا ذلك أولا في الضفة الغربية"!
وفي مسعاه لبيع جلد الدب قبل صيده، كان وزيرالدفاع الإسرائيلي (يؤاف غالانت) قد تقدم مؤخرا بخطة تبدو من أفلام الخيال، إذ أن ما تسرب منها يقضي بتولي جهة فلسطينية لم تحدد هويتها، إدارة شؤون القطاع سياسيا ومعيشيا، مع إحتمال ان توكل هذه المهمة لــ "مشايخ العشائر" والعائلات الغزية، المعروفة لجهاز الشاباك، بعد تقطيع القطاع لمناطق تقع تحت سيطرة تلك العشائر، وذلك في محاولة لإستنساخ تجربة "روابط القرى" الفاشلة، في الضفة الغربية في سبعينيات القرن الماضي.
وإذا لقي المطلب الأمريكي قبولا من السلطة الفلسطينيية بتجديدها، فإن إسرائيل لن تقبل به لأن فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة حجر الزاوية في تعاملها مع الفلسطينيين، ناهيك عن إتهامها للسلطة نهارا جهارا، بأنها شريكة في "الإرهاب"، لتمويلها من تسمهم بـ "الإرهابيين" وعائلاتهم، وتعلم الأجيال الفلسطينية الناشئة "الإرهاب" في المناهج المدرسية. إن لإسرائيل تعريفها الخاص بسلطة فلسطينية "متجدده"، وهو بأن تؤدي وظائف تخدم السياسات الإسرائيلية في الأراضي المحتله، ولتحقيق ذلك فإن إسرائيل تقرصن بشكل منهجي أموال الضرائب بذرائع مختلفه، وتمنع العمال الفلسطينيين من العمل فيها حتى وإن كان ذلك بسبب الحرب وغيرها من السياسات.
إن الإعلام الإسرائيلي، وضع تعريفا لـ السلطة الفلسطينية "المتجددة" من منظور إسرائيل، حيث طرح الصحفي (أساف غلعاد) في مقال في موقع (غلوبس)، البدائل المحتملة لقيادة فلسطينية جديدة، قوامها شخصيات من الداخل والخارج مقربة من إسرائيل، تشكل حكومة تكنوقراط منزوعة "الدسم" السياسي، لإستبدال القيادة الحالية، التي وصفها غلعاد في مقاله بالفاسدة والتي تتراوح اعمار أعضائها بين 70 الى 80 عاما.
وكمثال آخرعما يدور في العقل الإسرائيلي، من تصورات للسلطة المتجدده أيضا، ما ورد في ورقة للباحث في معهد أبحاث للأمن القومي الإسرائيلي (أودي ديكل)، من أنه على إسرائيل أن تشترط على قيادة السلطة "المتجددة" أن تعترف بدولة إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، وأن تصادق مجددا على الإلتزامات التي وقعتها منظمة التحرير في إتفاق أوسلو، كما تقترح الورقه أيضا، تركيز احتكار القوة في يد السلطة، وإستمرار تنسيقها الأمني الوطيد مع إسرائيل، وتفكيكها للمجموعات المسلحة في الضفة الغربية، بالإضافة إلى تحديث مناهج التعليم الفلسطينية، بما لا يتضمن اي مضاميين ضد إسرائيل واليهود، ومنع التحريض في المساجد ووسائل الإعلام.
وفي ورقة موقف أخرى، صدرت عن معهد القدس للإستراتيجية والأمن، لكل من (كوبي ميخائيل) و(غابي سيبوني)، يحدد الباحثان الهدف لمعنى السلطة "المتجددة" وهوأن تتحول إلى "إدارات مدنية" وليس إدارة واحدة، تشمل تقسيم الضفة الغربية إلى عدة إدارات منفصلة، تديرها هيئات تكنوقراط، دون أية صلاحيات سياسية، وبسيطرة أمنية كاملة للاحتلال، وعلى أن تعمل الآلية المدنية التي سيتم إنشاؤها في غزة، بشكل منفصل عن الآلية في الضفة الغربية..