الجامعات الأمريكية... الوعي يحطم العجل المقدّس!

ما جرى ويجري منذ "طوفان الأقصى" إلى يومنا هذا من نتائج وارتدادات يكاد لا يصدق، ومن أبرزها صمود المقاومة في القطاع ومعها صمود الغزيين في ظل ظروف أقرّ العالم برمته بمدى وحشيتها وصعوبتها، أمّا ثاني هذه النتائج فهو ذلك التفسخ والانقسام الذي دب في جسد وبنية المجتمع الإسرائيلي وأفقده ليس فقط  مفهوم الأمن المجتمعي والوحدة الوطنية بل عزز من مساحات  الوهن والضعف  في جدار الثقة بالمؤسستين الأمنية بكل تنوعها والسياسية بكل أطيافها، وهي حالة غير مسبوقة ساهم موضوع المختطفين ونجاعة إدارة ملفهم   في "صناعته  كتحدٍ" ليس مؤرقاً فحسب بل يسقط  فرضية الأمن بالقوة التي اعتاش عليها الاحتلال منذ 75 عاماً، أمّا ثالث تلك النتائج فهو الأثر المباشر للهمجية الإسرائيلية وطبيعة التوحش في قتل غزة ومن يعيش فيها من بشر وحجر وشجر حتى الحيوانات، وصدى هذا التوحش في عواصم صنع القرار في العالم الداعمة للاحتلال وبخاصة في الولايات المتحدة وتحديداً في الجامعات الأمريكية العريقة والتي تعد جامعات أبناء الأثرياء والنخبة والمجتمع المخملي وجامعات الطلاب المتفوقين من حول العالم وتحديداً مثل كولومبيا وهارفارد وجورج تاون وواشنطن وتكساس وغيرها، والتي بدأت اضرابات احتجاجية عنوانها وقف العدوان على غزة ووقف الدعم الأمريكي لدولة الاحتلال التي ترتكب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وهي حالة غير مسبوقة في تاريخ التعاطي الأمريكي مع القضية الفلسطينية وهذه الحالة تحديداً سآتي على تحليل أبعادها لاحقاً في سياق هذا المقال.

ورابع هذه النتائج  هو  النجاح في نقل جوهر التناقض بين كافة أطياف المجتمع الإسرائيلي "الُمصنع  أصلاً"  إلى "الشارع" الذي أصبح "شوارع"، شارع أهالي المختطفين، وشارع الداعمين للحرب والحكومة والرافضين لمطالب أهالي الاسرى، وشارع المتدينين الذين يرفضون الخدمة بالجيش والشارع المضاد لهم، وشارع الرافضين أصلاً للتعديلات القانونية التي تحصّن رئيس الوزراء  والمؤيدين لها، والأهم أن رئيس الوزراء الذي يريد تحصين ذاته لكي لا يذهب للسجن أي نتنياهو  بات يوصف في الشارع "بالخائن" وهو الوصف الذي أطلق وعلى نطاق محدود للغاية على اسحاق رابين بعد اتفاقية اوسلو مع منظمة التحرير،  وكانت النتيجة اغتياله من قبل المتطرف (ايجال عامير) ذو الأصول اليمنية والذي يُعتقد أنه كان مقرباً من المتطرف الارهابي "مائير كاهانا" زعيم حركة كاخ  التي انتمى إليها وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير وترعرع على مبادئها العنصرية – الوحشية، والسؤال هنا هل من الممكن أن يلاقي نتنياهو مصير رابين ومن قبل أحد ذوي المختطفين الذين يتهمون نتنياهو بإهمال قضية أبنائهم وأنه يستخدمها إعلامياً وسياسياً لأهدافه الخاصة ومن أجل بقائه في منصبه؟

نتنياهو ابن الصهيونية – الأمريكية كما أنه ابن البيئة السياسة الأمريكية ويعرف تماماً كيف يُصنع القرار في واشنطن وما هي العوامل التي تحدد اتخاذ هذا القرار، لهذا رأينا نتنياهو مذعوراً وفزعاً لأول مرة في تاريخه السياسي منذ أن اعتدنا رؤيته عبر التلفاز أو الفضائيات أي منذ بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي  وأقصد هنا تعليقه على ما جرى ويجري في الجامعات الأمريكية الكبرى والمؤثرة، كان "مرعوباً" وبكل ما تعني الكلمة، وغائر الفكر والفكرة، واستخدم عبارات تنم عن حالة فقدان للتوازن الفكري والسياسي بشكل ملفت عندما قال (... استولى حشد من المعادين للسامية على جامعات رائدة. إنهم يدعون إلى تدمير دولة إسرائيل، ويهاجمون الطلاب والمحاضرين اليهود"

وأضاف وهو في غاية النكد والصدمة دعوة تنم عن حالة ذعر شديد وخوف كبيرين وقال (.. هذا أمر غير مقبول. يجب أن يتوقف. يجب إدانته بشكل مطلق)، وهو التصريح الذي مازال يسبب له وللإدارة الأمريكية صداعاً شديداً، واستفزازاً للشارع الأمريكي غير الصهيوني حيث يتساءل هذا الشارع هو كيف لرئيس وزراء "دولة تابعة وذيلية" تعتمد بصورة شبه كاملة على واشنطن أن يعطى الأوامر لرئيس أمريكا وإدارته من أجل قمع من ينتقدون "إسرائيل" داخل أمريكا.

 وفي التقييم فإن أخطر نتائج حراك الجامعات الأمريكية هما أمران:  

الأول: وبسبب أن معظم هذه الجامعات هي من ناحية مالية وإدارية وأكاديمية تخضع لسيطرة الصهيونية الأمريكية، فهذا يعد انقلاباً كبيراً بخصوص سيطرة الصهيونية الليبرالية – الأمريكية على أكبر أدوات صناعة القرار في أمريكا.

ثانياً: بدء انهيار الرواية التاريخية الصهيونية بشأن مشروعية الاحتلال في فلسطين، مضافاً لذلك نزع شرعية التهمة البائسة المسماة معاداة السامية التي أصفها "بالعجل المقدس أو العجل الذهبي" التي تطلق على كل من يقف ضد هذا الاحتلال البربري المتوحش.

 

Loading...