منذ انقلاب حماس على السلطة والذي فضّلت تسميته بالحسم، وإلى آخر لقاء استضافته الصين، وأسفر عن اتفاق على لقاء آخر، فشلت جميع التدخلات التي قامت بها دول ذات نفوذ قوي في الشأن الفلسطيني، وأولها مصر، التي تملك المفتاح الوحيد لغزة، والسعودية التي جمعت طرفي الانقسام تحت ظلال الكعبة، وروسيا التي جمعتهما أكثر من مرة رغم انشغالاتها في حربها الكبرى على أوكرانيا، وتركيا الدولة الإقليمية العظمى التي آوت إخوان مصر، ورعت إخوان فلسطين وحافظت على علاقات وطيدة مع فتح من خلال رئيسها محمود عباس.
ولا ننسى الجزائر ذات النفوذ التاريخي على الحالة الفلسطينية بكل مكوناتها وقطر التي حاولت جمع عباس مع قيادة حماس أثناء الحرب.
هؤلاء جميعاً حاولوا وفشلوا، أزعم وأنا كنت قريباً من كل هذه المحاولات أن لا أحد من المتدخلين إلا وكان حريصاً على النجاح إن لم يكن بفعل علاقته المميزة مع الفلسطينيين فبفعل تجنب الفشل الذي لا يليق بدول عظمى.
لقد استنكفت كل الدول عن إعادة المحاولة، ولكل منها أسبابه القوية، إذ توصلت إلى نتيجة حاسمة هي أن الاستثمار في إنهاء الانقسام الفلسطيني مضيعة للوقت والجهد واستيراد لفشل محقق.
الدولة العظمى الزاحفة نحو المنافسة على زعامة الكون، هي الآن صاحبة المحاولة الجديدة، ولعل ما دعا المتفائلين لتعليق الآمال على نجاح ربما يأتي على يدها، نجاحها في الوساطة بين السعودية وإيران، فمن قدر على أمر كبير كهذا فلم لا يقدر على أمر أصغر، وكأن النجاح يتم بالاستنساخ!
الصين التي تصدّت لملف الانقسام المتعثر على مدى ستة عشر سنة، لابد وأن تكون درست المحاولات التي سبقتها، ووضعت يدها على أسباب فشلها فلا أسرار في الأمر إذ أن لعبة الانقسام والتدخلات الفاشلة كانت جميعا تتم بزفة على الهواء وتبريرات صاخبة يسوقها كل طرف.
كانت كل محاولة تفضي إلى تطوير الانقسام، إلى أن بلغ حد الانفصال، بل والعداء المتبادل. الصين كدولة جدية لا ترتجل سياساتها دون أن تشبعها بحثاً وتمحيصاً، أقدمت على مبادرتها في هذا الشأن ربما بطلب من الطرفين أو من أحدهما وإذا كانت لا تضمن النجاح التام فيما فشل كثيرون به فهي لن تخسر إذا ما استثمرت فيه ومعروف عن الصين أنها وهي تزحف نحو قمة العالم تستثمر في كل شيء، وتحاول جمع المتناقضات في قبضة واحدة، فلسطين وإسرائيل حيث الموقف التقليدي للأولى والاستثمار الاقتصادي للثانية، وبكين دائماً تفتح أبوابها للأصدقاء الفلسطينيين في حوار هادئ لا يضر لو استمر إلى أجل بعيد.
الصين التي ستستضيف لقاءات ذات مسميات عديدة... "موسعة وصريحة وناضجة" إلى آخر هذه المسميات التي دمغت بها مئات اللقاءات السابقة، تعرف جيداً كلمة سر النجاح في هذه المعضلة طويلة الأمد، وهي ببساطة فلسطينية بامتياز، فالذين تحاورا ما يزيد عن مليون ساعة، وأصدروا أكثر من ألف ديوان شعر عن مزايا الوحدة ومساوئ الانقسام، وتسابقوا في إظهار الحرص على المصالح العليا للشعب والقضية، صمد انقسامهم أمام حروب إبادة شنتها إسرائيل عليهم في الضفة وغزة والقدس، وليس آخرها حرب الإبادة التي تكابدها غزة مادياً وتواجهها الضفة مصيرياً.
الحقيقة التي يدركها كل من لا تزال لديه قدرة على متابعة معضلة الانقسام، أن العالم كله لن ينجح إذا لم ينجح الفلسطينيون أولاً، ونجاح الفلسطينيين أن يتفقوا فيما بينهم دون حاجة لوسيط أو راعٍ، فما يتعرضون له يكفي ويزيد.
دون ذلك لا الصين ولا قبلها روسيا ولا قبلهما أو بعدهما كل العواصم ستستطيع شيئاً.
أخيراً... الاستثمار في مصالحة الفلسطينيين بضاعة قليلة الكلفة، ولكنها قوية الصدى، وهذا ما يغري كثيرين على الإفادة منه والصين ليست استثناءً في هذه المعادلة.