مقالات مختارة

الأكثر أهمية من عملية رفح

بقلم: عيناب شيف

مسيرة السخافة السياسية والأمنية التي أدت بإسرائيل إلى 7 أكتوبر ليس فقط لم تتوقف هناك بل تعاظمت إلى حوار طرشان هازئ يتشكل أساسا من شعارات عليلة: "النصر المطلق" و"رفح الآن" من جهة، وبالمقابل تشهير تلقائي بكل معارضة معللة لاتفاق وقف نار وإعادة المخطوفين والمخطوفات في ظروف صعبة جدا. لا يوجد تماثل بين الطرفين، لكن يوجد وجه شبه.
مع ذلك، يخيل أنه يوجد إجماع سياسي وإعلامي حول معارضة إنهاء الحرب. حسب كل التقارير لا يوجد فرق جوهري في المسألة بين رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع غالانت مقابل الوزيرين غانتس وآيزنكوت. فأربعتهم يمثلون جمهورا واسعا جدا، ربما حتى معظم المواطنين والمواطنات. لا يوجد معنى خاص لمسألة الدافع من خلف الموقف، سواء كان هذا مصلحة سياسية، أو فكرا أمنيا أو خليطا من الاثنين: النتيجة هي تتويج وضع نهاية الحرب (سواء بشكل فوري أو بعد وقف نار) كهزيمة تاريخية، خطأ استراتيجي وفي واقع الأمر خطيئة لا يوجد كفارة عليها. أولا، وصف إنهاء الحرب بهذا الشكل هو نجاح مدوٍ لرئيس الوزراء، رغم أن كل علة وجوده الأمني شطب ظاهرا برائحة الموت في 7 أكتوبر. من ذات اليوم، لم يعد هناك "سيد أمن"، ومع ذلك نجح نتنياهو، (مثلما فشلت المعارضة وجبنت صحافة التيار المركزي) في حبسنا في مغارة أفلاطونية، المعضلة فيها هي "وقف الحرب أو الهزيمة". عمليا، لا يوجد "نصر مطلق"، وبعد فشل رهيب كهذا، من المشكوك أن يكون هناك "نصر". يوجد انتعاش مبهر، تضحية مؤثرة، طول نفس مشجع، استعراض قوة هائلة ودمار عظيم. حسب قدر كبير من الخبراء والخبيرات، من المشكوك أن يغير احتلال رفح المعادلة، ويستحق حياة الجنود والمخطوفين والمخطوفات الذين سيموتون على الطريق. بهذا المفهوم، فإن الحادثة القاسية جدا في كرم سالم هي ألم عظيم لكنها جزء من سياق الحرب.
بالمقابل، إنهاء الحرب هو شرط ضروري، لكن غير كاف لصالح الترميم الذي تحتاج الدولة اكثر بكثير من صور مقاتلي الجيش الإسرائيلي في رفح. فوق كل شيء، فإن إعادة المخطوفين والمخطوفات هو ليس "هزيمة" بل واجب أخلاقي أول في سموه لكن توجد اعتبارات إضافية: إنهاء المناوشة في الشمال وخلق ظروف لإعادة المقيمين والمقيمات، تسريع التحقيق في التقصير في كل المنظومات والمستويات، تكييف الاقتصاد مع الاحتياجات الجديدة، إصلاح العلاقات الدبلوماسية لأجل استخدام تحالفات جديدة، وكذا تهدئة الخواطر أيضا في أوساط أمة مضروبة، مرضوضة، ممزقة، مترنحة ومستنزفة جدا. منتخبو الجمهور وجنرالات يتحركون في مركبات محصنة ويتصلون فقط مع جمهور مريح ومنتقى جيدا، لا يفهمون الثمن النفسي للسكان والفائدة التي يدفعها. نجوم ونجمات التلفزيون الذين رزقهم متعلق بالحدث من كل نوع وبعضهم يخافون شتائم مثل "لطفاء النفوس"، لا يعكسونه بقدر كاف.
غير أن مؤيدي ومؤيدات الإنهاء يوجد التزام: أن يضعوا أنفسهم مكان أصحاب وصاحبات الرأي الآخر، أن يحسوا بمخاوفهم العميقة والطبيعية، أن يعترفوا بأخطاء فظة ارتكبت على حسابهم. بين المعارضين لوقف الحرب ثمة من حذروا على مدى السنين من تعاظم قوة "حماس"، حذروا من الاستخفاف بقدرات العدو وأساسا بنواياه وبالتأكيد فقدوا الأعز عليهم. موقفهم بقدر ما هو يلتزم بمبدأ البراءة ليس تعطش دم بربريا أو تزمتا دينيا، مثلما هو مطلب إنهاء الحرب الآن ليس وهنا وانهزاميا. هذا ليس "معا ننتصر" أو أي ترهات لفظية أخرى بل القاعدة الذهبية اليهودية في خوض الجدالات القاسية والثاقبة: التي هي احترام مدرسة "هيلل" لمدرسة "شماي" وبالعكس. 

عن يديعوت أحرونوت

 

Loading...