لا شك في أن إعلان حركة «حماس» عن موافقتها على مقترح الصفقة المصري لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى قد وضع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في مأزق كبير أمام الداخل الإسرائيلي، وعلى المستوى الدولي وخاصة مقابل الولايات المتحدة التي تضغط بصورة كبيرة من أجل إتمام الصفقة لأسباب انتخابية أميركية.
وعملياً حقق الضغط الأميركي تغييراً في موقف «حماس» التي تعرضت لضغوط عربية هائلة من كل من مصر وقطر وبالذات من الأخيرة.
وقد مارس رئيس جهاز المخابرات الأميركية «سي آي إيه» وليام بيرنز بدوره ضغوطاً على قطر لضمان الوصول إلى موافقة «حماس».
ونتنياهو يعتبر أن الولايات المتحدة قد أدارت مؤامرة لوضعه أمام حقائق لا يمكن الهروب منها.
المقترح المصري حسب ما تم نشره يتحدث عن ثلاث مراحل يمتد كل منها لمدة 42 يوماً. حيث يتم وقف إطلاق نار مؤقت وانسحاب إسرائيلي نحو المناطق المحاذية للحدود وإطلاق سراح المدنيين الأحياء بمن فيهم المجندات، وعودة النازحين من الجنوب إلى الشمال، وإدخال المساعدات الإنسانية بشكل مكثف ودون قيود.
وفي المرحلة الثانية يتم الإعلان عن الهدوء المستدام أي «وقف العمليات العسكرية والعدائية»، وهذا يبدأ قبل الإفراج عن جميع من تبقى من الرجال الإسرائيليين على قيد الحياة من مدنيين وجنود مقابل عدد يتفق عليه من الأسرى الفلسطينيين. وانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلية بالكامل من قطاع غزة.
أما المرحلة الثالثة فتشمل تبادل جثامين ورفات الموتى لدى الجانبين، والبدء بخطة إعادة الإعمار لمدة 3 - 5 سنوات، وإنهاء الحصار بالكامل عن قطاع غزة.
وتدعي المصادر الإسرائيلية، حسبما نشرت قناة «كان» العبرية أمس، أن ما وافقت عليه «حماس» يختلف عما وافقت عليه إسرائيل.
وتكمن نقاط الخلاف في عدم التزام «حماس» بالإفراج عن 33 أسيراً إسرائيلياً من الأحياء. وأنها لا توافق على وجود «فيتو» إسرائيلي على قائمة الأسرى الفلسطينيين. كما أن «حماس» ترفض إبعاد الأسرى إلى خارج فلسطين أو إلى قطاع غزة.
وخلاف آخر حول عدد الأسرى المفرج عنهم في كل يوم. والنقطة الخلافية الأبرز هي التزام إسرائيلي ببحث وقف دائم لإطلاق النار في اليوم السادس عشر حسب نص الاتفاق وهو ما ترفضه إسرائيل.
والحقيقة، أن «حماس» وافقت على ما عرض عليها وهو نفس المقترح الذي وافقت عليه سابقاً، ولا توجد تعديلات مهمة في النص الأصلي.
ويبدو أن إسرائيل راهنت على رفض «حماس» للمقترح. وقيام «حماس» بقصف موقع كرم أبو سالم، شكل ذريعة جيدة لإسرائيل للذهاب نحو عملية اجتياح رفح، هذا قبل أن تغير «حماس» موقفها فجأة تحت وطأة الضغوط العربية، وربما تحسباً لأسوأ السيناريوهات باحتلال كامل رفح وما يمكن أن ينجم عنه من خسائر.
والآن يبدو مأزق نتنياهو في عدم قدرته على رفض المقترح بصورة تامة، وفي نفس الوقت يمثل قبوله التام به مشكلة تهدد حكومته بالسقوط في ظل تحذيرات شركائه من «الصهيونية الدينية» إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. وبالتالي فهو الآن أصبح في موقف حرج وعلى الأغلب سيذهب لمناورة خبيثة أو ذكية للتخلص من هذا المأزق.
الشيء السريع الذي أقدم عليه وبالتوافق مع شركائه في كابينيت الحرب من المعسكر الرسمي بيني غانتس وغادي آيزنكوت هو الدخول المحدود لرفح والسيطرة على معبر رفح وربما يذهب نحو السيطرة على كامل محور فيلادلفيا. فهو من ناحية يكون قد أوفى بوعده بدخول رفح، وبالتالي حقق ما وعد به شركاءه في الائتلاف اليميني. ومن ناحية أخرى هذا ليس اجتياحاً شاملاً يمكن أن يقود إلى صدام واسع مع الولايات المتحدة، ويمكنه كذلك من الذهاب إلى صفقة الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين بادعاء أنه نفذ التزاماته وأن الصفقة لا تشمل الموافقة على وقف الحرب. وهي تبقي الأمور مفتوحة من وجهة نظره.
وهنا تجدر الملاحظة أن الإجماع الذي حصل عليه للدخول إلى رفح لا يمكن أن يكون على حساب الصفقة وما كان غانتس وآيزنكوت ليوافقا على خطة اجتياح واسعة تشكل خطراً على حظوظ صفقة التبادل.
كل هذا طبعاً يمكن أن يجري في إطار مناورة نتنياهو إذا بقيت الأمور مسيطراً عليها بشكل كامل ولا تنزلق نحو تصعيد غير محسوب وتتدحرج العملية العسكرية لاجتياح كامل لرفح والمعسكرات الوسطى، وهو ما كان نتنياهو يرغب فيه قبل أن يحاول تطبيق خطته لتحويل قطاع غزة إلى «سنغافورة»، وهي الخطة التي تتحدث عن تطوير قطاع غزة بشكل كبير اقتصادياً وتكنولوجياً بعيداً عن السلطة الفلسطينية وبعيداً عن سلطة «حماس» العلنية.
مع أن مشكلة نتنياهو مع «حماس» تكمن فقط في التهديد الذي تشكله على الداخل الإسرائيلي.
ويمكنه أن يتعايش مع وجود «حماس» دون أسلحة تهدد العمق الإسرائيلي بعد فترة من الزمن وبعد حصول تغيرات في الحركة تقنعه بأنها لم تعد تشكل تهديداً لإسرائيل.
ومشكلة نتنياهو الجوهرية في سيناريو الموافقة على الصفقة أنه بعد مرور أيام طويلة من الهدوء ستزداد المطالبة بالذهاب إلى انتخابات مبكرة وإسقاط حكومته.
وعندها ستكون خياراته ضئيلة وحتى العودة للحرب لن تكون سهلة على الجيش والمجتمع في إسرائيل ولا إقليمياً ودولياً.