بقلم: ناحوم برنياع
أبدأ بقولين يتعارضان والرسائل التي يتلقاها الإسرائيليون من الحكومة في الأيام الأخيرة. الأول، صفقة المخطوفين التي تقترحها "حماس" ليست بعيدة عن المقترح الذي أقرته إسرائيل. توجد فجوات، لكن في هذه المرحلة ليست هذه هي الأساس. الأمر الأساس هو أنه توجد صفقة: ملموسة، مفصلة، واضحة. هكذا يفهم الوضع كل العالم من واشنطن حتى غزة. لو كان الحديث يدور عن صفقة لشراء شقة لكنا قلنا: مذكرة التفاهم باتت مكتوبة. والآن سنتفاوض مع التفاصيل.
سؤال ماذا تريد "حماس" واضح، يتبقى سؤال ماذا يريد نتنياهو. وثيقة مكتوبة وصلت، امس، إلى مقرري السياسة تتناول ادعاء نتنياهو بأن مقترح "حماس" يقضي على المفاوضات. ليس كصرختها: على ماذا يمكن الحديث.
القول الثاني الذي يتعارض والرسائل يتعلق برفح. الحقيقة هي أن إسرائيل لم تهاجم رفح ولم تحتل رفح ولم ترفع إعلام إسرائيل ولم تشكر الرب على خلاصنا في رفح. احتفال الاحتلال مبكر ومبالغ فيه. معبر رفح يقوم على مسافة ثلاثة كيلومترات عن مدينة رفح. مثلما هما معبر "ايريز" وكيبوتس "ايريز" هما كيانان منفصلان، مثلما هما شاطئ القدس والقدس كيانان منفصلان. فإن معبر رفح ورفح هما كيانان منفصلان.
الطابور العسكري الذي سيطر على المعبر نفذ مهمته في ارض معظمها أن لم تكن كلها فارغة من الناس. في البداية مرّ الطابور في الدهنية، التي ماضيها أغنى من حاضرها: بداية كانت قرية عملاء، محاذية لحدود إسرائيل، بعد أوسلو دشن فيها في طقوسٍ احتفالية بمشاركة كلينتون مطار قصير العمر لمسارات طيران فلسطين، في الانتفاضة الثانية حرث الجيش الإسرائيلي المسار، وفي 2006 اختطف هناك جلعاد شاليت. الدهنية عدنا إليها مرة ثانية، ثالثة، رابعة.
رحلة الاحتلال انتهت بإعلان احتفالي لقائد الكتيبة: "معبر رفح في أيدينا" – وكأنه احتل لتوه جبل البيت (الحرم).
قرار "الكابنيت"، يوم الأحد، كان الأساس لمناورة يتميز نتنياهو بها، ما يسميه الأميركيون الحديث من طرفي الفم. نحن لا نهاجم رفح، تعهد للأميركيين؛ نحن نعم نهاجم رفح، شرح لشركائه من اليمين ولرسلهم في وسائل الإعلام. السيطرة على المعبر استهدفت ممارسة الضغط على "حماس" لتليين مواقفها في المفاوضات، ألمح لعائلات المخطوفين؛ السيطرة على المعبر هي فقط البداية، ألمح للقاعدة. أما غالانت، الذي يحتقر الحقائق اقل منه، فوجد صيغة مجسرة: إسرائيل تهاجم "في مجال" رفح.
لم تكن للخطوة العسكرية صلة بالصفقة: فهي لم تلين مقترح "حماس" ولم تعطل المفاوضات. هكذا على الأقل فهم الوضع رئيس الـ"سي.أي.ايه" بيل بيرنز، الذي واصل حملته للوساطة التي لا تنتهي بين القاهرة، الدوحة وتل أبيب. بالنسبة لـ"حماس" فهي لا تحتاج المعبر: توجد لها وفرة أنفاق لتمر بها. التأثير المحتمل الوحيد هو على وتيرة دخول المساعدات الإنسانية. في هذه اللحظة المعبر في كرم سالم مغلق أيضا ومنظمات حقوق الإنسان تحذر من التدهور.
لقد كان هذا احد القرارات الخفيفة لـ"كابنيت" الحرب. كان واضحا انه بعد هجوم قذائف الهاون على كرم سالم فإن الجمهور – بمن فيه جمهور مؤيدي غانتس – يتوقع العمل. آيزنكوت سأل قادة الجيش قبل ثلاثة اشهر لماذا لا يسيطرون على المعبر. إضافة إلى ذلك، آلة الدعاية للقناة 14 استهدفت آيزنكوت بصفته الرجل الذي يكبح الهجوم المنشود في رفح. آيزنكوت مل، فنشر ردا نفى فيه الادعاء نفيا باتا.
النفي خدم نتنياهو. عندما بحث "الكابنيت" في السيطرة على رفح طلب أن يصوت كل واحد من الوزراء. "كابنيت" الحرب هو محفل للتشاور: لا يوجد فيه تصويت. اثنان من الوزراء لم يرفعا يديهما: ديرمر وآيزنكوت. نتنياهو توجه إلى كل واحد منهما باسمه. يا رون، هل انت ضد عملية في معبر رفح؟ ديرمر أوضح انه مع؛ يا غادي، هل انت ضد عملية في معبر رفح؟ آيزنكوت أوضح انه مع. في الغداة صدر بيان من مكتب رئيس الوزراء شدد على أن القرار اتخذ بالإجماع.
أحد الفمين سار شوطا أبعد من رفح. فقد خدم نتنياهو في كفاحه في سبيل الشرعية، في واشنطن وفي البلاد أيضا. ليس هذا ما يصلي له غانتس وآيزنكوت.
أمس، بعد أن اطلق نتنياهو وغالانت إعلانات حماسية عن استمرار القتال في رفح، سعى آيزنكوت لأن ينشر بوستا يشجب الأقوال. أما غانتس فسبقه.
الاتفاق الذي تقترحه "حماس" صعب على إسرائيل، لكن هذه مصاعب رافقت المفاوضات من بدايتها. بداية، هو يلزم إسرائيل بوقف القتال. صحيح أن هذا يحصل عمليا في المرحلة الثانية فقط لكن الالتزام هو بالرزمة كلها. وهذا يتناقض ظاهرا مع ما وعد به نتنياهو ناخبيه منذ بداية الحرب. التملص منه ليس بسيطا: حسب المقترح يدور الحديث عن ضمانة أميركية، إلى جانب مصر وقطر وليس ضمانة من آرييه درعي.
لا يوجد تعهد بتحرير 33 مخطوفا في المرحلة الأولى الإنسانية. "حماس" تدعي بأن ليس لديها 33 مخطوفا حيا يندرجون ضمن صنف "مرضى". يوجد لديها فقط 20. ينبغي أن نقول، إنها تدعي هكذا منذ زمن بعيد، بثبات.
ترفض "حماس" إعطاء إسرائيل حق "فيتو" على أسماء السجناء المحررين. هذه نقطة صعبة يوجد مجال للتباحث حولها. كما أن الانتقال من المرحلة الثانية التي سيتحرر فيها كل المخطوفين الأحياء وإسرائيل تتعهد بوقف القتال وتنسحب من كل القطاع إلى المرحلة الثالثة، التي ستعاد فيها الجثث، يبعث على أسئلة ويحتاج إلى إيضاحات.
عندما وصل المقترح لإسرائيل فوجئت المحافل المشاركة في المفاوضات. فهي لم تتوقع بيانا من "حماس" يقول، "نعم" صريحة. فوجئوا أيضا من الحرية التي أعطاها الوسطاء لأنفسهم، لأن يعيدوا صياغة ما اتفق عليه من قبل في المقترحات السابقة، كلمة بكلمة، مع إسرائيل.
كتبت في الماضي أن الجدال في إسرائيل أوسع وأعمق من تفاصيل الاتفاق. كما أنه لا يتلخص في مسألة المخطوفين. فهو يقسم أصحاب القرار لمن يسعون لأن يدفعوا الثمن اللازم، لإعادة المخطوفين وفتح صفحة جديدة في حياة الدولة وأولئك الذين يرون في الحرب فرصة لتجسيد أحلام أخرى، طرد، استيطان، حرب شاملة. نتنياهو يوجد في كفة المقلاع: هو لا يمكنه أن يسمح لنفسه برفض الصفقة علنا، هو لا يمكنه أن يسمح لنفسه بقبولها.
عن يديعوت أحرونوت