الدولة المارقة ووقائع التطهير العرقي ومُصطلح اليوم التالي

فيما تستكمل دولة الاحتلال المارقة جرائم التطهير العرقي في فلسطين ومخططات التهجير والسيطرة على غزة وجعلها مكاناً غير قابل للحياة بعد التدمير والقتل الممنهج بكل ما لذلك من تبعات وتداعيات وآثار لم يسبق لشعبنا أن عاينها منذ ما قبل جريمة النكبة الأولى. يقوم مندوبها بالأمم المتحدة بتمزيق ميثاق الأمم المتحدة والتي قامت دولته على أساسه وبموجب قرارها الأممي رقم 181 دون تفاوض مع أحد ودون الالتزام بما أشار له القرار من حدود لها. ذلك القرار الذي نص على إقامة دولتين، لكن دون أن تقوم دولة فلسطين بموجبه حتى اليوم .

هذا الموقف الأرعن يعبر عن العقلية الاستعلائية والفوقية الصهيونية التي اعتادت خرق وانتهاك ورفض كل المواثيق والقرارات الأممية وحقوق شعبنا دون حساب وعقاب .

واليوم تدفع الأسرة الدولية ثمن ضعفها منذ جريمة النكبة بتغييب العدالة ونفاق بعضها سنداً لمصالحها على إثر تلك الإساءة الوقحة لمكانة دول العالم وهذه المنظمة الدولية، رغم تصويت أعضائها بأغلبية 143 عضو على قرار يقرُّ بأن دولة فلسطين مؤهّلة للعضوية الكاملة في الأمم المتحدة وفقاً للمادة ٤ من ميثاقها ودعوة مجلس الأمن لإعادة النظر في قراره السابق والاعتراف بدولة فلسطين، الأمر الذي يعيد تأكيد الموقف الدولي بأغلبيته مع حقوق شعبنا الثابتة. إلا أن هنالك ضرورة لقراءة منحى التصويت خاصة لدول الاتحاد الأوروبي الممتنعة وأخذ الأجراء بمراجعتها سنداً للعلاقات السياسية بيننا .

كما أن إدارة الصهيوني بايدن وبعد أن أعلنت أنها قد قبلت تأكيدات حكومة الاحتلال الإسرائيلية بأنها لا تنتهك القانون الأمريكي أو الدولي في تنفيذها للحرب في غزة. وهو استنتاج طبعا يتعارض مع التقييمات التي أجرتها الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية، فقد صوتت برفض قرار الجمعية العامة أمس وإلى مهاجمة نص القرار بعد أن كانت الاسبوع الماضي قد أسقطت مشروع قراره بخصوص الاعتراف بدولة فلسطين سنداً لمواقفها التاريخية المتتابعة والمناهضة لحقوق شعبنا الفلسطيني ولشراكتها الإستراتيجية مع إسرائيل.

 إن توقيت الإعلان الأمريكي بتشغيل "الرصيف/الميناء العائم" بتوافق مع احتلال معبر رفح وتقطيع أوصال القطاع وإقامة أربع مواقع عسكرية جديدة ومناطق عازلة، جاء ليؤكد على أن كل ذلك يخدم "المشروع السياسي الأمني" لإسرائيل بإعادة احتلالها للقطاع، كما والرؤية الأمريكية حول السيطرة على حوض شرق المتوسط بما في ذلك إقامة القاعدة الأمريكية بوجود 23 ألف جندي في صحراء النقب إلى جانب قواعدها العسكرية الأخرى بمنطقتنا ومحاولات السيطرة على أحواض الغاز فيه  .

وقد تزامن العدوان مع نضج الصفقة وموافقة حماس عليها الذي أربك حسابات نتنياهو مما دفعة لاتخاذ قرار شن العملية العسكرية البرية في رفح لمقاصد مختلفة.

فالسيطرة على المعبر تتعلق بالمستقبل السياسي لقطاع غزة وفق توجهات الإدارة الأمريكية ودولة الاحتلال، خاصة وأنه المعبر الوحيد الذي يمثل بوابة التعامل مع العالم الخارجي عبر مصر. هذا الاحتلال للمعبر يُنهي على أي مظهر سيادي فلسطيني مستقل، ويعني الرغبة في إعادة احتلال القطاع بما يترافق مع استباحة مخيمات وقرى ومدن الضفة الغربية وارتكاب الجرائم بها وتهويد القدس ومحاولات تهجير أهلها منها ومن المخيمات تحديداً.

من البدايات كنت قد كتبت حول رؤية الشرق الأوسط الجديد التي ما زالت تدغدغ أفكار الإدارة الأمريكية لخدمة مصالحها الإستراتيجية، كما والرؤية الصهيونية التوراتية التي حولت فكرة أرض الميعاد "الدينية المزعومة" إلى شعار سياسي يتعلق بما يسمونه 'الوطن القومي لليهود' في كل أرض فلسطين التاريخية. وما بين المشروعين لخدمة الرؤية المشتركة الواحدة تكمن تفاصيل استكمال التنفيذ التي تتم اليوم باستهداف المشروع التحرري الفلسطيني والحق الأساسي لكل شعبنا بتقرير المصير بما في ذلك استقلاله الوطني وإقامة دولته ذات السيادة.

كلا الرؤيتين تنطلق أساساً من تقاطعات الفكر السياسي الذي قام على أساس التطهير العرقي والتهجير الاستعماري والممارسات العنصرية لإحلال شعوب مكان شعوب أصلانية أخرى بالمكانين رغم تباعدهم الجغرافي، أمريكا وفلسطين لخدمة الفكر الإستعماري الاستيطاني والهيمنة، رغم الأزمات البنيوية القائمة الآن والقادمة بأشكال مختلفة التي بدأت تؤثر على وهم ما يُسمى "بشعب الحلم الأمريكي" أو مُسمى "الشعب اليهودي" من خلال ظواهر مختلفة من التباينات التي تهدد استقرار مجتماعاتهم .

 لكن رغم الصمود البطولي وأعمال المقاومة والتمسك بالأرض وما لحق بالعدو من خسائر بنتيجة حرب الشوارع. فإن أبناء شعبنا الفلسطيني ورغم أنهم سيخرجون من هذه المعركة بتحقيق انتصار معركة 7 أكتوبر التي أطاحت بأشياء كثيرة وغيرت من وقائع كانت قائمة بغض النظر عما نتفق علية أو نختلف فيه مع حركة حماس وإلى رفضنا القاطع للفكر الظلامي لحركة الإخوان المسلمين. إلا أن أبناء شعبنا سيخرجون أيضا بحكم بشاعة الاحتلال وجرائمه المدعومة أمريكياً مثخنين بجراح عميقة ستبقى لسنوات وخصوصاً في ارتداداتها على النسيج الإجتماعي وقدرته على إعادة إنتاج المجتمع بمختلف قطاعاته، كما وإعادة بناء حركته الوطنية وفق أسس قد تكون جديدة لكن بإجماع وطني لحماية شعبنا وإعادة البناء .

فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قد تسعى لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد تحت مسميات "السلام والاستقرار الإقتصادي" بكل المنطقة الأوسع من حولنا. إلا أن دعمها لجرائم ولإجراءات إسرائيل في غزة والضفة الغربية يثير انتقادات ومعارضة من قبل أطراف متعددة من المجتمع الدولي وكل الشعوب بما فيها قطاعات من الأمريكيين أنفسهم، مما يساهم في عزلة مكانتها اليوم ويجعل من الصعب تحقيق التوافق والثقة اللازمة لتقديم مبادرات جديدة للسلام في المنطقة، حيث فقدت دورها ومكانتها لذلك منذ زمن.

اليوم يجب الاستعاضة عن دورها بدول وقوى أخرى تنهض الآن وفق المتغيرات الدولية الجارية، وهذا ما يحتاج إلى رؤية وحسم سياسي فلسطيني واضح في هذا الشأن دون اللهث خلف سراب وأوهام أمريكية تسعى لاستدامة الاحتلال بأشكال قد تكون مختلفة. حيث يتعارض تورط الولايات المتحدة في حرب الابادة الإسرائيلية مع مساعيها اللفظية لاعتبارات داخلية بعد نهوض الشارع والطلبة فيها بالادعاء بتحقيق السلام في المنطقة .

التهجير تحت مبررات طوعية وهي قسرية في واقع الحال، خيار قد يكون هو الأهم للاستراتيجية التهويدية ضد المشروع التحرري الفلسطيني، بدأت ملامحها تدق أبواب أهل قطاع غزة الذين سيكونون مدفوعين لذلك تحت مبرر خيار شخصي واقصد التهجير مع تسهيل دخولهم إلى العديد من دول الغرب تحت حجج إنسانية لتبدو وكأنها ليست عملا اكراهياً.

إن حرب الإبادة والتطهير والتهجير والسيطرة على غزة وما قد يترتب عليها لاحقاً، هي قضية أكبر من هذا الانشغال بالحديث القائم حول تفاصيل ما يسمى بمصطلح اليوم التالي. إن التعاطي معها هي مسؤولية وطنية للجميع في إطار الوحدة وتطوير دور منظمة التحرير التي يجب ان تأخذ قيادة وزمام أمور مواجهة التحديات القائمة بوضوح حتى لا تترك فراغاً تحاول الولايات المتحدة اشغاله بتعاون مع قوى أخرى  .

إن إدارة قطاع غزة مستقبلاً تتوجب أن تكون من خلال دمج كافة قطاعات المجتمع الفلسطيني في البنية السياسية الفلسطينية ونظامها وإشاعة الديمقراطية الانتخابية أساساً في كل فلسطين على قاعدة وحدة الأرض والشعب والقضية، وعلى أساس وثيقة إعلان الإستقلال والنظام الأساسي .

إضافة إلى كونها ملف دولي يشكّل تحدّياً على مستوى أخلاقي وقانوني وسياسي للأسرة الدولية، تتحمل مسؤولية أسبابه ونتائجه أساسا ًدولة الأحتلال التي يجب أن تتكلف بكل تعويضات جرائم حربها كما حدث مع ألمانيا النازية سابقاً ومحاكمتها ومجرمي حربها أمام المحاكم الدولية المختصة التي تتعرض اليوم لتهديدات أمريكية وإسرائيلية على السواء .

 

Loading...