مقالات مختارة

واقع جديد في غزة؟ لا بدّ من احتلال كامل أولاً!

بقلم: ميخائيل ميلشتاين

يخيل أنه لا توجد ساحة أخرى مثل قطاع غزة تلخص تشويهات فكر كثيرة جدا من ناحية إسرائيل. فقد برز الأمر عشية 7 أكتوبر في المفهوم المغلوط حول تركيز "حماس" على تنمية المجال المدني في القطاع وامتناعها عن المواجهة مع إسرائيل، وتواصل في حرب بشكل تقديرات وأفكار جسدت مبدئيا أماني، مثل الإحساس بأن المنظمة قريبة من "الانكسار" وانه يمكن إقناع قيادتها بالنزوح عن غزة.
لقد بدا أن إسرائيل نفضت عن نفسها المفاهيم المغلوطة القديمة بل وبدأت تتبنى مفاهيم جديدة تعكس استمرار عدم الفهم لـ"حماس" وتخلق عمليا إحباطا في ضوء غياب النجاح في تحقيق أهداف الحرب، وعلى رأسها إلحاق الهزيمة بالمنظمة. ويكمن جسر الفجوة في مفهوم مغلوط حول "حماس" التي تعرف بالوصف الضيق "منظمة إرهاب". هذا جسم مرن ذو قدرة تكيف عالية على التغييرات، وحتى بعد أضرار شديدة يتعرض لها ينجح بالبقاء على قيد الحياة بل والحفاظ على مكانته كالمحفل السائد في القطاع.
من هنا ينبع المفهوم المغلوط الثاني وهو استمرار الاعتماد على استراتيجية المرحلة الثالثة، أي خطوات عسكرية مركزة انطلاقا من الافتراض بأن هذه ستؤدي بالتدريج إلى انهيار "حماس". بعد بضعة اشهر من تنفيذه، تثور علامات استفهام حول نجاعته: فقد اضر بالفعل بـ"حماس" بشدة، لكن بغياب تواجد دائم لإسرائيل، فإن المنظمة تعود بسرعة إلى كل ساحة عمل.
إن الإحباط المتواصل يحمل إسرائيليين كثيرين على أن يقولوا أقوالا تبدو خارقة للطريق لكن تحقيقها محدود. الأول، انه فقط لو أننا بدأنا بالاهتمام بالبديل لـ"حماس"، لتحسن الواقع الاستراتيجي في غزة. آخرون يسيرون شوطا أبعد ويدعون بأن التطبيع مع السعودية أو تحقيق اتفاق سياسي مع السلطة سيشكلان حلين محتملين. تلك الفرضيات تعتمد على فهم يقضي بأن المناطق في القطاع التي عمل فيها الجيش الإسرائيلي هي بمثابة "ارض محروسة" ناضجة للبدائل: ابتداء من السلطة، عبر "الناتو" وانتهاء بقوات عربية. يدور الحديث عن شقاق على جلد الدب قبل أن يصاد، كون "حماس" لا تعتزم على الإطلاق التنازل عن ذخر الحكم.
من الجهة الأخرى، وان كان على أساس الفرضيات إياها، يأتي الشعار الذي يقول، انه من الضروري العمل في كل منطقة رفح وان هذه هي "المعقل الأخير" قبل "النصر المطلق". معقول انه حتى بعد هزيمة أربع كتائب "حماس" في المدينة، ستحكم المنظمة المجال الجماهيري في القطاع وستواصل إدارة القتال في المناطق المختلفة. السيطرة في محور فيلادلفيا حيوية لغرض إعادة تصميم الواقع في القطاع. لكنها تفترض بقاء متواصلا في المكان ولا توجد ضرورة في أن تترافق ومناورة عميقة في مدينة رفح نفسها.
إن المفهوم المغلوط الذي لم يتطور بعد، ولكن من الحيوي قطعه من الأساس هو الاعتقاد أننا سنكون مطالبين بالعمل على إعادة بناء غزة كي نخلق ثمن خسارة ونقلل الدوافع للتصعيد. يدور الحديث عن المفهوم إياه الذي كانت إسرائيل أسيرة له حتى 7 أكتوبر، وانخرط في الإعلانات عن الرغبة في تطوير "سنغافورة فلسطينية"، وانهار بشكل مأساوي في هجمة "حماس" التي أثبتت أن الأيديولوجية اهم من ناحيتها من السكان. على إسرائيل أن تسمح في توريد احتياجات المعيشة الأساسية إلى غزة، لكن أن تمنع واقعا "طبيعيا" طالما كانت "حماس" تحكم في غزة.
على واضعي الاستراتيجيات أن يتبنوا مفاهيم عميقة واعية عن "حماس" وألا يقعوا مرة أخرى في خطأ سوء التقدير لعظمة ودافعية المنظمة. فبدون احتلال كل قطاع غزة ما يتيح توجيه ضربات شديدة لأجهزة المنظمة ومكوث فترة زمنية في القطاع لمنح رعاية لبناء البديل، لن ينشأ هناك واقع جديد. في افضل الأحوال "حماس" ستسمح بتموضع بدائل تشكل قناعا تجميليا لمواصلة هيمنتها وفي الحالة المعقولة – ستعمل بقوة ضد كل بديل.
توجد إسرائيل منذ بضعة اشهر في مفترق T، لكنها ترفض التوجه إلى مسار حسم واضح. وبدلا من هذا تفحص طرقا وسطى مفعمة بالأوهام تلحق ضررا استراتيجيا. بغياب قدرة أو رغبة – في هذه اللحظة – احتلال كل القطاع وإقامة نظام جديد فيه، فإن إسرائيل ملزمة بأن تحدد صفقة المخطوفين كجهد مركزي، الأمر الذي لشدة الألم يستوجب وقف الحرب، تحرير مخربين وانسحاب من غزة.
إن الهدوء الذي سينشأ على إسرائيل أن تستغله لإشفاء داخلي عميق بما في ذلك إنعاش الساحة السياسية والساحة العسكرية اللتين يقودهما الأشخاص إياهم الذين تبنوا حتى 7 أكتوبر المفاهيم المغلوطة التي انهارت. زمن الإشفاء مطلوب أيضا للاستثمار في تصميم استراتيجية مرتبة للموضوع الفلسطيني غير الموجودة منذ سنين. هذه ستكون فرصة للعودة إلى مصادر الصهيونية حول أخذ المبادرة بدلا من التمسك بأفكار التسوية، إدارة النزاعات ورؤيا "السلام الاقتصادي" التي احتلت وعي أصحاب القرار وتبينت كمحملة بالمصائب.

 


عن يديعوت أحرونوت

 

Loading...