بينما كنتُ أصغي إلى خطاب الأمين العام لحزب الله الأخير، هَجَرَتْ بي الأفكار إلى مشهدٍ من قصر عدل بيروت. تَذَكّرتُ ذلك اليوم الذي حضر فيه رياض سلامة، حاكم مصرف لبنان، إلى قاعة المحكمة مُطمئنًا، مُفعمًا بالثقة، ليمثل أمام القاضي. كان سلامة على قناعة تامة بأن القاضي سينفذ ما طُلِب منه ويُصدر القرار المُرجّى.
أثارتْ تلك الواقعة في خاطري مشهدًا مُشابهًا من فيلم The Untouchables. ففي أحد مشاهد الفيلم، يظهر آل كابون، زعيم المافيا المُقنع، جالسًا في قاعة المحكمة برفقة محاميه ورفاقه. يرفعون رؤوسهم عالياً، مُزهوين بأنفسهم، مُبتسمين للجنة المحلفين وللقاضي أيضًا، وكأنّهم يملكون المكان!
لماذا كلّ هذا؟
لأنّ كلّ شيء كان مُدبّرًا بظاهر قانوني لا غبار عليه، إلاّ أنّ غبارًا كثيفًا انتشر حول القاعة ليُعمي الأبصار عن ما كان يحدث في الداخل.
من الفيلم السينمائي بإخراجه المُتقن، إلى لبنان الذي أصبح مقرًا نهائيًا لأمثال رياض سلامة وكارلوس غصن، المظلوم والمضطهد والمتآمر عليه!
ومن هذه الأسماء، تبدأ لائحة طويلة مليئة بالمُطاردين والمشبوهين، دون نسيان المطلوبين في قضايا "بسيطة" كاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومطلوبي تفجير مرفأ بيروت!
ولإعادة تنظيم اللائحة لا بد من ذكر الموضوعين على لوائح العقوبات وفي طليعتهم الساعين دائما للإصلاح والتغيير وحامي السيادة القائد جبران باسيل!!
هذا هو التغيير الحقيقي الذي حلّ بلبنان، فقد تحوّل من منارةٍ للأحرار وساعيي العلم والثقافة من مختلف أنحاء العالم، إلى ملاذٍ لرياض سلامة وكارلوس غصن، وغيرهم من المُدرجين على قائمة بأسمائهم وصفاتهم.
فما علاقة هذه المقدمة بكلمة الأمين العام؟
إنّ دعوته لفتح لبنان أمام الهجرة غير الشرعية للسوريين تأتي في سياق الضغط على الولايات المتحدة وأوروبا، وما يُعرف بـ "المجتمع الدولي"، لرفع العقوبات الأوروبية عن نظام الأسد وإلغاء قانون قيصر الأمريكي!
هل يدرك الأمين العام أن فتح البحر أمام الهجرة غير الشرعية هو بمثابة إعلان حرب على العالم بأسره؟
إنْ رضخت حكومة الثنائي لهذا "القرار الشجاع" كما يصفه الأمين العام، فسنجد أنفسنا أمام مأزق لا مخرج منه على الإطلاق!
يؤكد العلم، بل يجزم، أن القرارات الشجاعة لا تعني بالضرورة قرارات صائبة يا سيّد!
فإذا بحثنا في التاريخ عن الأمثلة للقرارات الشجاعة، فسنجد أن أغلبها كان خاطئًا.
أما ربط هذا القرار الذي لن يؤخذ بالأرقام المالية، بحيث يصبح، تحت الضغط، عشرة أو عشرين أو ثلاثين مليارًا بدلًا من المليار المطروح علينا لقبول النازحين والمهجرين والمهربين السوريين في لبنان، فهذا يقودنا إلى استنتاج واحد: أن الخلاف لا يدور حول مبدأ الوجود البشري السوري، بل حول المبلغ المطلوب دفعه مقابل ذلك!