مقالات مختارة

نتنياهو يقودنا إلى تهويد غزة

بقلم: ألوف بن

يميل منتقدو رئيس الحكومة إلى التعامل باستخفاف مع تصريحاته وخطاباته، وعرضها كأقوال فارغة لحل مشكلات سياسية آنية. الردود التلقائية على ظهور بنيامين نتنياهو تملي نفسها. كاذب، مخادع، محكوم من قبل بن غفير وسموتريتش. أيضاً من يقولون بانفعال "أنت الرئيس، إذاً أنت المذنب" يميلون لإعطائه تسهيلات وتخفيضات والادعاء بأنه لا توجد لديه خطة، وحتى إذا وجدت فهو غير قادر على اتخاذ قرار. ولكن إذا كان نتنياهو مجرد روبوت تتم برمجته في ميامي، أو كرة يتم ركلها بين البيت الأبيض وقوة يهودية، فما هو ذنبه بالضبط؟
نتنياهو دائماً يختبئ وراء شخصيات قوية ويفضل الظهور كخرقة بالية، لا أن يناضل على مواقف مختلف عليها. دائماً ستكون سارة ويكون يائير، والرئيس الأميركي، والائتلاف وجهاز الأمن، الذين سيمتصون الانتقادات بدلاً منه. ميله لإلقاء المسؤولية ازداد، بالطبع منذ قيادته إسرائيل إلى كارثة 7 أكتوبر وحرب الاستنزاف في قطاع غزة والشمال. لكن بدلاً من السقوط كضحية للخدعة المتملصة لرئيس الحكومة، من الجدير الاستماع إليه ومعرفة إلى أين يسعى.
من اللحظة التي استيقظ فيها من الصدمة عند اندلاع الحرب، نتنياهو يصمم على عرض سياسته لـ"اليوم التالي": "احتلال إسرائيل من جديد لقطاع غزة"، أعلن في كانون الأول، "بعد تصفية حماس غزة ستكون منزوعة السلاح، تحت سيطرة إسرائيل الأمنية، ولن تكون فيها أي جهة تهددنا وتعلّم أولادها الإرهاب".
في شباط أضاف إلى مجموعته عبارة "النصر المطلق"، التي كالعادة أثارت الضحك والمحاكاة. ماذا لو كان نتنياهو يقصد ما يقوله، وحقاً توجهه للنصر بأسلوب حرب الاستقلال، التي فيها إسرائيل ستحتل غزة. الكثير من السكان الفلسطينيين هناك سيغادرون إلى دول عربية وغربية، وفي المنطقة ستقام مستوطنات لليهود؟ هذه النتيجة مناسبة بالضبط للبند الاستهلالي في الخطوط الأساسية للحكومة الحالية: "الشعب اليهودي له الحق الحصري، غير القابل للنقاش، في كل أرض إسرائيل".
يصعب الادعاء أن كل هذه أقوال. خطوات إسرائيل العسكرية في غزة تسمح بهذه النتيجة: طرد السكان، تدمير المدن والقرى، الصعوبة في إدخال الغذاء والوقود للاجئين، تقسيم القطاع بشارع عرضي وإقامة قواعد للجيش الإسرائيلي على طوله، والدخول بالتدريج إلى رفح. الإدارة العسكرية التي يقترحها نتنياهو الآن (كعادته يختبئ وراء السكرتير العسكري، الجنرال رومان غوفمان، بسبب أنه فقط كتب وثيقة خاصة)، هي مرحلة أخرى في العملية المتدحرجة نحو "تهويد قطاع غزة".
في الوقت الذي يطالب فيه اليمين بشكل علني بنكبة ثانية في قطاع غزة، فإن معارضي النظام يعزون أنفسهم بالاعتقاد أن هذه أوهام مسيحانية لن تتحقق. يعلقون الآمال على العالم الذي لن يسمح لإسرائيل بتكرار "ولادة قضية جديدة للاجئين الفلسطينيين"، مثل عنوان كتاب بني موريس عن حرب العام 1948. لا شك أن المجتمع الدولي، برئاسة الولايات المتحدة، يعارض بشدة احتلال إسرائيل للقطاع، وبالتأكيد يعارض التطهير العرقي للسكان الفلسطينيين واستبدالهم بمستوطنين يهود. التهديد بأوامر اعتقال في لاهاي وتجميد إرساليات السلاح من أميركا، استهدف ردع نتنياهو عن الذهاب حتى النهاية.
لكن نتنياهو يعرف بشكل ممتاز التاريخ، ويعرف أن أميركا عارضت مرة تلو الأخرى خطوات اعتبرتها إسرائيل حيوية، وتراجعت أمام تصميم إسرائيل. هكذا كان الأمر عند إعلان الاستقلال، رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين، إعلان القدس كعاصمة لإسرائيل، إقامة المفاعل النووي في ديمونة، بناء المستوطنات في المناطق وتوسيعها، وحتى العملية الحالية في رفح. في كل هذه الأحداث إسرائيل استمعت إلى أميركا ولكنها فعلت العكس، بالضبط مثلما يقوم نتنياهو الآن بخداع الرئيس الأميركي ومبعوثيه الذين يأتون من أجل حثه على "إعادة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة". بالنسبة له، التحدث عن صفقة إعادة المخطوفين مقابل وقف إطلاق النار وانسحاب إسرائيل، هي فقط طريقة لإضاعة الوقت إلى حين يتعود العالم على الواقع الجديد الذي سينشأ في قطاع غزة، كما تعود على نتائج الحرب الأهلية في سورية.
ماذا إذا حقق بيني غانتس آمال المتظاهرين في كابلان وقدم استقالته من مجلس الحرب ووقف مثل أليكسي نفلاني وجان دارك على رأس الاحتجاج ضد نتنياهو؟ المشكلة في هذا السيناريو ليست فقط ضعف غانتس السياسي، الذي لا يمكنه إسقاط الحكومة والوصول إلى الانتخابات ومعاملته اللطيفة، بل في موقفه الجوهري. كما أظهر مرة أخرى في "الخطاب الإنذاري" فإن غانتس ببساطة يؤيد سياسية الحكومة التي يجلس فيها. هو أيضاً يدعو إلى مسؤولية أمنية إسرائيلية في غزة، بالضبط مثل الاحتلال في الضفة الغربية، ويعارض "حماس" وعباس أيضاً. الفرق بينه وبين نتنياهو هو أنه يريد "إجراء نقاشات" خلافاً لنتنياهو. وزير الدفاع يوآف غالانت أكثر شجاعة من غانتس في سلوكه العام وانتقاده لنتنياهو، لكن هو أيضاً يؤيد استمرار الحرب، ومعارضته للحكم العسكري في غزة يبررها باعتبارات اقتصادية والقوى البشرية، وليس بتقدير أن الاحتلال يضر إسرائيل.
هكذا فإن إسرائيل تسير بثقة إلى التراجع عن الانفصال والعودة إلى غزة بروحية وعود نتنياهو وآمال شركائه في الائتلاف. "كيف لم أخمن مسبقاً؟"، كتب س. يزهار. "خربة خزعة لنا. قضية التوطين ومشكلات الاستيعاب. سنعيش معاً ونندمج. ولكن كيف؟ سنقوم بفتح جمعية استهلاكية، مدرسة وربما أيضاً كنيس.. لتحيا خزعة العبرية! من سيخطر بباله أنه كانت هنا ذات مرة خربة خزعة، التي قمنا بطرد سكانها وورثناهم. جئنا، أطلقنا النار، أحرقنا وفجّرنا وقمنا بالصد والدفع والتهجير". يمكن البدء في كتابة مسودة لقصة التتمة. يمكن فقط التقدير أنه في هذه المرة الكنيس سيقام قبل الجمعية الاستهلاكية.

عن هآرتس

 

Loading...