مع بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وخلال أكثر من لقاءٍ تلفزيوني معي حول تطورات الحرب، كنت أشير إلى أهمية كسب الرأي العام العالمي، وتطويعه بالإقناع وليس بالخداع على غرار ما يفعله الاحتلال، وتحديداً الرأي العام في الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أوروبا وذلك لكون هذه الدول هي الحليف الأساسي للاحتلال، وبالتالي فإن التأثير على الرأي العام فيها وبحكم أنها تحتكم لأنظمة ديمقراطية سيؤدي إلى إحداث تغييرات في التركيبة السياسية للطبقة الحاكمة فيها كما سيؤدي إلى تغيير سياساتها المنحازة بصورة شبه مطلقة لصالح الاحتلال.
وخلال الشهر الأول لهذه الحرب أخذت أرصد مدى التأثير الحاصل في عواصم تلك الدول ومدى تعاطف شعوبها مع القضية الفلسطينية، وما يجرى من مجازر لأهلنا في قطاع غزة وبدأت أتلمس بعد الشهر الأول من هذا العدوان منسوب الفتور وتراجع التعاطف الذي عملت الماكنة الإعلامية المتصهينة على صناعته وأظهرت فيه أن "إسرائيل" تعرضت لمحاولة إبادة وقتل همجي جرى فيه قطع رؤوس الاطفال واغتصاب نساء وتعذيب كبار السن، ونجحت هذه الماكنة في إحداث تزييف عميق للوعي لدى الرأي العام الدولي من خلال تصوير ما جرى في السابع من أكتوبر على أنه قصة "دولة متحضرة ومسالمة تعرضت لاعتداء بشع غير إنساني وبلا أي مبرر أو مسوغ"، وصورت وكأن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي إبتدأ في ذلك اليوم متجاهلة وبخبث تاريخ 75 عام من الاحتلال.
في خضم هذا المشهد المعقد كانت قناة الجزيرة وقناة الغد العربي وقناة العربي والعربية والمشهد أي الفضائيات العربية وفي المقدمة منها قناة الجزيرة تلعب دوراً مهما للغاية في فضح الوحشية الإسرائيلية، لحظة بلحظة بحيث أستطيع القول إننا حضرنا وحضر معنا العالم برمته هذه الحرب الوحشية على الهواء مباشرة، ولعب هذا العامل دوراً جوهرياً في إعادة صناعة الوعي الجديد للعالم الذي كان يرى الأحداث بعيون إسرائيلية.
وبالتوازي مع هذا الجهد الإعلامي لعبت عدة شخصيات عربية وفلسطينية دوراً جوهرياً في فضح ونسف الرواية الصهيونية لما جرى في السابع من أكتوبر وأعادت سرد وترتيب تلك الرواية وفقا لحقائق التاريخ والحقيقة ولعبت هذه الشخصيات الدور الأبرز في تقديم الرواية الفلسطينية بما تملكه من صدمة للعقل الغربي الذي أخذ يعي معنى احتلال ومعنى القضية الفلسطينية وفي مقدمة تلك الشخصيات كانت وبكل موضوعية جلالة الملكة رانيا التي يبدو أنها اخذت على عاتقها دخول هذا المعترك من أجل إنصاف الشعب الفلسطيني وشرح معاناته التاريخية للعالم وذلك بحكم ما لدى جلالتها من حضور إعلامي آسر ومؤثر ومصداقية عالية عززتها مصداقية الأردن كدولة اعتدال، وجلالة الملك كشخصية عالمية تمثل العقلانية والوسطية السياسية.
ومنذ مقابلتها الأولى مع شبكة (سي ان ان) بعد 18 يوماً من بدء العدوان على قطاع غزة، أحدثت جلالة الملكة الأثر الكبير في العقل الأمريكي والعقل الغربي، وتوالت بعدها عدة لقاءات تسببت بجنون إعلام الاحتلال وقيادته السياسية وعملت تلك المقابلات على فضح الرواية الإسرائيلية وكشف مدى ركاكتها ومنسوب الاختلاق والكذب فيها، ومازلت أذكر مقابلة جلالتها قبل شهرين أيضاً مع (سي ان ان) ووقتها أجابت على أحد الأسئلة التي سألتها الإعلامية الأمريكية الشهيرة "كريستيان امانبور" عما حدث يوم السابع من أكتوبر بقصد الحصول على إدانة لهذا العمل فأجابت بقولها ".. شهدت إسرائيل يوم 7 أكتوبر واحد ومنذ ذلك الحين شهد الفلسطينيون 156 يوماً مشابهاً لـ7 اكتوبر" المقابلة المشار إليها جرت قبل شهرين تقريباً وكانت هذه الإجابة بحد ذاتها سبباً من أسباب جنون الإعلام والسياسيين الإسرائيليين وتحديداً بن غفير الذي سارع بعد سماعه اللقاء للرد بشكل هستيري وبالإشارة إلى ما جرى عام 1970 من أحداث في محاولة بائسة وغبية لخلط الأوراق وزرع الفتنة بين أبناء الشعب الأردني.
وفي هذا الإطار ومن أجل زرع الفتنة والخلاف بين الشعبين الفلسطيني والأردني، قامت الوحدة الإسرائيلية "8200" المسؤولة عن الحرب الالكترونية وبغباءٍ شديد على ترويج مقطع مجتزأ من مقابلة الملكة مع قناة (CBS) الأمريكية في برنامج "واجه الأمة الشهير" والذي يظهر وكأن الملكة رانيا تدافع عن حق "إسرائيل" في الدفاع عن نفسها.
هذا "الهبل" لهذه الوحدة يظهر حجم العجز أمام منطق وتأثير خطاب جلالة الملكة الإعلامي والسياسي.
رابط المقابلة: (https://www.youtube.com/watch?v=NMOS8C6arrg) المقطع الذي يروج تم بتره من إجابة الملكة خلال الفترة الواقعة ما بين الدقيقة 24 والدقيقة 27 من المقابلة.
الملكة رانيا قامت بما عجزت عنه جيوش، سواء أكانت إعلامية أو عسكرية.
شكرا جلالتك