مفهوم أن يفقد نتنياهو اتزانه ويصاب بحالة من الجنون جراء طلب المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية إصدار مذكرة اعتقال له ولوزير دفاعه غالانت، ذلك أن الرجل المغرور والذي تعامل مع جنون عظمته كرجل فوق القوانين، يجد نفسه ملاحقاً من قبل مائة وأربعين دولة، وأن حصانته الوحيدة من الاعتقال أن يظل قابعاً في إسرائيل، أو أن يزور الولايات المتحدة التي تتذرع بأنها غير موقعة على ميثاق المحكمة وبالتالي فهي غير ملزمة بقراراتها.
الأمر الملفت والذي سيلحق الضرر حتماً بصورة الولايات المتحدة ومكانتها في هذا المجال، أن رد فعلها كان أكثر حدة حتى من رد فعل نتنياهو، حيث التهديد بمعاقبة محكمة الجنايات من أصغر موظف فيها إلى قضاتها والمدعي العام ومكتبه، والبعض وصل حد تهديد أسر العاملين باتخاذ إجراءات انتقامية ضدهم، بما أظهر أمام العالم أن أمريكا تتحول في أدائها إلى منطق عصابة وليس دولة تقيم وزناً جدياً للقانون الدولي وأحكامه.
إن أمريكا تكف عن أن تكون دولة إذا ما تعرضت إسرائيل لانتقاد أو عقوبة من أي جهة تحترم القانون الدولي، إن أمريكا التي تدعي وصاية على حقوق الإنسان، وتعاقب دولاً وحكومات تحت تهمة خرقها لهذه الحقوق، تتحول بكل أسف إلى شرطي يرفع الهراوة ضد من ينتقد جرائم إسرائيل، وهذا إن كان له دوافع انتخابية أو ابتزازية إلا أنه ومع الزمن والتبني المطلق لجرائم إسرائيل ودفاعها عنها سيلحق ضرراً بالغاً بالدولة العظمى، أوله أزمات داخلية قوية جذرها سياستها المنقادة وراء إسرائيل، وأزمات مع دول العالم التي تقف جميعاً في جانب وأمريكا وحدها في جانب آخر، حدث ذلك في مجلس الأمن، وسيحدث ربما بصورة أوضح في جولات قادمة.
دولة عظمى تتخلى عن أبسط قواعد الأخلاق من أجل حماية جرائم دولة تمثل الآن أمام محكمة العدل الدولية، وتنتظر مذكرات اعتقال لزعمائها من محكمة الجنايات.
هذه أمريكا في القرن الحادي والعشرين، وما آلت إليه.. له سبب وحيد أنها تتعامل مع إسرائيل كاستثناء ويجب أن تظل مهما فعلت فوق القوانين والأعراف والأخلاق.